(وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا لَوْ كانَ خَيْراً ما سَبَقُونا إِلَيْهِ وَإِذْ لَمْ يَهْتَدُوا بِهِ فَسَيَقُولُونَ هذا إِفْكٌ قَدِيمٌ (١١) وَمِنْ قَبْلِهِ كِتابُ مُوسى إِماماً وَرَحْمَةً وَهذا كِتابٌ مُصَدِّقٌ لِساناً عَرَبِيًّا لِيُنْذِرَ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَبُشْرى لِلْمُحْسِنِينَ)(١٢)
(وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا) لأجلهم. (لَوْ كانَ) الإيمان أو ما أتى به محمد عليه الصلاة والسلام. (خَيْراً ما سَبَقُونا إِلَيْهِ) وهم سقاط إذ عامتهم فقراء وموال ورعاة ، وإنما قاله قريش وقيل بنو عامر وغطفان وأسد وأشجع لما أسلم جهينة ومزينة وأسلم وغفار ، أو اليهود حين أسلم عبد الله بن سلام وأصحابه. (وَإِذْ لَمْ يَهْتَدُوا بِهِ) ظرف لمحذوف مثل ظهر عنادهم وقوله : (فَسَيَقُولُونَ هذا إِفْكٌ قَدِيمٌ) مسبب عنه وهو كقولهم : أساطير الأولين. (وَمِنْ قَبْلِهِ) ومن قبل القرآن وهو خبر لقوله : (كِتابُ مُوسى) ناصب لقوله : (إِماماً وَرَحْمَةً) على الحال. (وَهذا كِتابٌ مُصَدِّقٌ) لكتاب موسى أو لما بين يديه وقد قرئ به. (لِساناً عَرَبِيًّا) حال من ضمير (كِتابُ) في (مُصَدِّقٌ) أو منه لتخصصه بالصفة ، وعاملها معنى الإشارة وفائدتها الإشعار بالدلالة على أن كونه مصدقا للتوراة كما دل على أنه حق دل على أنه وحي وتوقيف من الله سبحانه وتعالى. وقيل مفعول (مُصَدِّقٌ) أي يصدق ذا لسان عربي بإعجازه. (لِيُنْذِرَ الَّذِينَ ظَلَمُوا) علة (مُصَدِّقٌ) ، وفيه ضمير الكتاب أو الله أو الرسول ، ويؤيد الأخير قراءة نافع وابن عامر والبزي بخلاف عنه ويعقوب بالتاء (وَبُشْرى لِلْمُحْسِنِينَ) عطف على محله.
(إِنَّ الَّذِينَ قالُوا رَبُّنَا اللهُ ثُمَّ اسْتَقامُوا فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ (١٣) أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَنَّةِ خالِدِينَ فِيها جَزاءً بِما كانُوا يَعْمَلُونَ)(١٤)
(إِنَّ الَّذِينَ قالُوا رَبُّنَا اللهُ ثُمَّ اسْتَقامُوا) جمعوا بين التوحيد الذي هو خلاصة العلم والاستقامة في الأمور التي هي منتهى العمل ، وثم للدلالة على تأخر رتبة العمل وتوقف اعتباره على التوحيد. (فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ) من لحوق مكروه. (وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ) على فوات محبوب ، والفاء لتضمن الاسم معنى الشرط.
(أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَنَّةِ خالِدِينَ فِيها جَزاءً بِما كانُوا يَعْمَلُونَ) من اكتساب الفضائل العلمية والعملية ، وخالدين حال من المستكن في أصحاب وجزاء مصدر لفعل دل عليه الكلام أي جوزوا جزاء.
(وَوَصَّيْنَا الْإِنْسانَ بِوالِدَيْهِ إِحْساناً حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهاً وَوَضَعَتْهُ كُرْهاً وَحَمْلُهُ وَفِصالُهُ ثَلاثُونَ شَهْراً حَتَّى إِذا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلى والِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صالِحاً تَرْضاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنَ الْمُسْلِمِينَ)(١٥)
(وَوَصَّيْنَا الْإِنْسانَ بِوالِدَيْهِ حُسْناً) وقرأ الكوفيون «إحسانا» ، وقرئ حسنا أي إيصاء «حسنا». (حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهاً وَوَضَعَتْهُ كُرْهاً) ذات كره أو حملا ذا كره وهو المشقة ، وقرأ الحجازيان وأبو عمرو وهشام بالفتح وهما لغتان كالفقر والفقر. وقيل المضموم اسم والمفتوح مصدر. (وَحَمْلُهُ وَفِصالُهُ) ومدة (حَمْلُهُ وَفِصالُهُ) ، والفصال الفطام ويدل عليه قراءة يعقوب «وفصله» أو وقته والمراد به الرضاع التام المنتهي به ولذلك عبر به كما يعبر بالأمد عن المدة ، قال :
كلّ حيّ مستكمل عدّة العم |
|
ر ومود إذا انتهى أمدّه |
(ثَلاثُونَ شَهْراً) كل ذلك بيان لما تكابده الأم في تربية الولد مبالغة في التوصية بها ، وفيه دليل على أن أقل مدة الحمل ستة أشهر لأنه إذا حط منه للفصال حولان لقوله : (حَوْلَيْنِ كامِلَيْنِ لِمَنْ أَرادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضاعَةَ)