واختار مريم ابنة عمران ويسّر عليها ولادتها بعيسى ، ثمّ هزّت جذع النخلة في فلاة من الأرض ، فتساقط عليها رطباً جنيّاً.
واختارني الله وفضّلني على كلّ من مضى من نساء العالمين ، لأنّي وَلَدْتُ في بيت الله الحرام ، وبقيتُ فيه ثلاثة أيام بلياليها ، آكل من ثمار الجنّة ، فلمّا أردت الخروج من الكعبة هتف بي هاتف أسمع صوته ولا أدرى شخصه :
يا فاطمة سمّي ولدك عليّاً (١) فإنّ العليّ الأعلى أمرني أن أقول لك ذلك ؛ والله يقول : أنا المحمود وحبيبي محمّد ، وأنا العلي ووليّي عليّ ، وقد شققتُ اسمهما من اسمي ، وأدّبتهما بأدبي ، ووقفتهما على علمي ، وهما الصفوة من الأخيار ، وقد خلقتُ نورهما من نوري ، وعزّتي وجلالي ، إنّي شققتُ اسم وليّي من اسمي ، وولد في بيتي ، وهو أوّل من يؤمن بي يصدّق برسولي ، ويقدّسني ويهلّلني ويكبّرني ، وهو خليفة نبيّي ووزيره ووصيّه ، والقائم بالقسط من بعده ، وزوج ابنته وأبو سبطيه ، فجنّتي لمن يحبّه ، وناري لمن يبغضه يخافه ويجحد ولايته.
قال أبو طالب : فلمّا رأيته ورآني ، قال لي : «السلام عليك يا أبه ، ورحمة الله وبركاته».
فقلت : وعليك السلام يا بنيّ ورحمة الله وبركاته.
ثمّ إنّ أبا طالب قبّل ولده وضمّه إليه وناوله أُمّه ، فدخل عليها رسول الله صلّى الله عليه وآله وفرح فرحاً شديداً بالمولود ، وفرح المولود بمقدمه وقال : «السلام عليك يا رسول الله ، ورحمة الله وبركاته».
__________________
(١) لا منافاة بين هذه الرواية والاُخرى الدالّة على أنّ أبا طالب طلب اسمه عليه السّلام من الله سبحانه بقوله : يا ربّ الغسق الدجى ... وجوابه من قبله تعالى : خصصتما بالولد الزكي.
وسيأتي تفصيلها ـ إن شاء الله ـ لجواز اجتماع الأمرين : الهتاف بفاطمة ، وتحرّي أبي طالب لحق اليقين في أمر مولوده الذي علم أنّه من آيات ربّه الكبرى (من هامش المطبوع).