قالت فاطمة : وكان بين غيبته ورجوعه أقلّ من نصف ساعة ، فجعلت أنظر إليه ، وإذا بسحابة أُخرى قد نزلت عليه ، وطارت به كالمرّة الأُولى.
وسمعت قائلاً يقول : طوفوا بعليّ بن أبي طالب على جميع ما خلق الله وأعطوه أحكام العلم والحلم ، والورع والزهد ، والتقى والسخاه ، وإلبهاء والضياء ، والتواضع والخشوع ، والرقّة والهيبة ، والمروة والكرم ، والمودّة والشفاعة ، والشجاعة والصيانة ، والديانة والقناعة ، والفصاحة والعفاف ، والإنصاف والعرف ، وجميع أخلاق النبييّن.
قالت فاطمة : فبينما أنا حائرةٌ وإذا بولدي بين يديّ.
ثمّ أنّهم لفوّة في حريرة بيضاء من حرير الجنّة ، وقالوا : احفظيه عن أعين الناظرين ، فإنّه ولي ربّ العالمين ، واعلمي أنّه لا يدخل الجنّة إلّا من تولّاه وصدّق بإمامته وولايته ، فطوبى لمن تبعه ، وويلٌ لمن حاد عنه ، فمَثلُه كمثل سفينة نوح من ركبها نجا ، ومن تخلّف عنها غرق وهوى.
ثمّ تكلموا في أُذنه بكلام لم أفهمه ، ثمّ قبّلوه وخرجوا ، ولم أعلم من أين خرجوا؟
قالت فاطمة : ثمّ بقيتُ في الكعبة ثلاثة أيام بلياليها ، آكل من ثمار الجنّة ، ثمّ إنّ الجدار انشقّ كأوّل مرّة ، وخرجتُ من البيت الحرام وولدي في حضني ، ووجهه كالقمر الزاهر ، وهو يهشّ ويضحك.
ثمّ إنّها أخبرت أبا طالب ورسول الله صلّى الله عليه وآله بما جرى عليها ، وما اختصّت به ، هي وولدها من الفضيلة الباهرة ، فتعجّب الناس.
فقالت فاطمة :
معاشِر الناس ، إنّ الله قد اختارني على المختارات ، وفضّلني على من مضى. وقد اختار آسية بنت مزاحم لأنّها عبدت الله في مكان لا يحبّ فيه العبادة إلّا اضطراراً.