فالإنسان فقير محتاج بذاته من حيث أنّه قائم بغيره حدوثاً وبقاءً ، وفي الوقت نفسه يكون الله غنيّاً بذاته لأنّه قائم بنفسه ، وكلّ شيءٍ قائم به ، وإنّ الملاك في غناه تعالى. وفي فقر الإنسان أمران :
١. مسألة الخلق : فالخلق غنيّ والمخلوق فقير.
٢. مسألة التدبير : فالمدبِّرُ «بالكسر» غنيّ ، والمدبَّرُ «بالفتح» فقير ، ولمّا كان الله هو الخالق المدبِّر كان الغنى حقَّه وحده ، وحيث إنّ الإنسان هو المخلوق المدبَّر كان الفقر حقَّه وحده.
وقفة مع المال والغنى والفقر
لا يستطيع أحد أن ينكر أنّ حبّ المال أمر غريزيّ ، وأنّ المال له تأثير على النفس الإنسانيّة من ناحية الإغراء والإثارة ، والتأثير على سيرة الإنسان وأخلاقه ، فقد ورد عن النبيّ صلى الله عليه وآله قوله : إذا شاب ابنُ آدم شبّت فيه خصلتان : الحرصُ وطول الأمل (١).
وقال صلى الله عليه وآله : لو كان لابن آدم واديانِ مِن مال ، لابتغى وادياً ثالثاً ، ولا يملأ جوفَ ابن آدم إلّا التراب (٢). وصدق الله وهو أحسن القائلين حيث يقول : (وَتُحِبُّونَ الْمَالَ حُبًّا جَمًّا) (٣).
وليس المال بحدّ ذاته موضع المدح أو الذّم ، ولكن نفوس ذوي الأموال هي محلّ ذلك. فلو جمع الإنسان المال من موارد مشروعة ، وصرفها في المجالات التي ندب إليها الشارع المقدّس لكان ذلك الجمع حسناً ، بل كان عبادة. فبمثل
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
١ ـ جامع السعادات ٢ : ٧٨.
٢ ـ صحيح البخاريّ ٧ : ١٧٥ ، المبسوط للسرخسيّ ٣٠ : ٢٥٧.
٣ ـ الفجر : ٢٠.