من غير حاجة إلى وجود ما يحتاج إليه الجدار الذي لا يكفى فى أن يرى على ما هو عليه وجود الهواء والماء وما يشبههما بينه وبين البصر ، بل يحتاج إلى أن يكون الشىء الذي سميناه نورا قد غشيه حتى يرى حينئذ ، ويكون ذلك النور تأثيرا من جسم ذى ضوء فيه إذا قابله وكان بينهما جسم ليس من شأنه أن يحجب تأثير المضيء فى قابل النور كالهواء والماء فإنه يعين ولا يمنع.
فالأجسام بالقسمة الأولى على قسمين : جسم ليس من شأنه هذا الحجب المذكور وليسم الشاف ، وجسم من شأنه هذا الحجب كالجدار والجبل. والذي من شأنه هذا الحجب فمنه ما من شأنه أن يرى من غير حاجة إلى حضور شىء آخر بعد وجود المتوسط الشاف ، وهذا هو المضيء كالشمس والنار ومثله (١) غير شفاف ، بل هو حاجب عن إدراك ماوراءه. فتأمل إظلال المصباح عن المصباح ، فإن أحدهما يمنع (٢) أن يفعل الثاني فيما هو بينهما ، وكذلك يحجب البصر عن رؤية ماوراء. ومنه ما يحتاج إلى حضور شىء آخر يجعله بصفة وهذا هو الملون. (٣) فالضوء كيفية القسم الأول من حيث هو كذلك ، واللون كيفية القسم الثاني من حيث هو كذلك. فإن الجدار لا يمكن المضيء أن ينير (٤) شيئا خلفه ، ولا هو بنفسه منير ، فهو الجسم الملون بالقوة ، واللون بالفعل إنما يحدث بسبب النور ، فإن النور إذا وقع على جرم ما حدث فيه بياض بالفعل أو سواد أو خضرة أو غير ذلك. فإن لم يكن كان أسود فقط مظلما ، لكنه بالقوة ملون إن عنينا باللون بالفعل هذا الشىء الذي هو بياض وسواد وحمرة وصفرة وما أشبه ذلك. ولا يكون البياض بياضا والحمرة حمرة إلا أن تكون على الجهة التي نراها ولا تكون على هذه الجهة (٥) إلا أن تكون منيرة. ولا يظن (٦) أن البياض على الجهة التي نراها والحمرة وغير ذلك يكون موجودا بالفعل فى الأجسام ، لكن (٧) الهواء المظلم يعوق عن إبصاره ، فإن الهواء نفسه لا يكون مظلما إنما المظلم هو الذي هو المستنير. والهواء نفسه وإن كان
__________________
(١) ومثله : + فإنه ك.
(٢) يمنع : + عن ف.
(٣) الملون : اللون ك.
(٤) ينير : يبين م.
(٥) الجهة (الثانية) : الصفة ك ؛ ساقطة من د ، ك.
(٦) ولا يظن : ولا يظنن م.
(٧) لكن : لئن ك.