فهم (أُولُوا بَقِيَّةٍ) رسالية ، إبقاء لها بعد الرسل ، وهم ربانيّو كل أمة ، الحاملون مشاعل الهدى الرسالية ، عارفين الفساد في الأرض ، تاركين له ، ناهين عنه بكل إمكانياتهم الإيمانية.
ذلك ، ورغم أن المقربين السابقين وهم الرسل وخلفاؤهم وهم حلفاءهم المعصومون ، هم (ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ وَقَلِيلٌ مِنَ الْآخِرِينَ) (٥٦ : ١٣ ـ ١٤) نرى معاكسة في أولي بقية أنهم قليل من الأولين وثلة من الآخرين ، للمدّ الزمني المديد لهذه الرسالة الأخيرة ، وقوة الدعوة والداعية أكثر من الأولين.
وهؤلاء الثلة هم المعنيون من (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ) (٣ : ١١٠) فالأمة الآمرة الناهية المخرجة للناس على مدار الزمن الرسالي ، هي درجات ، وأنتم الآمرون والناهون من هذه الأمة الأخيرة خير أمة آمرة ناهية أخرجت للناس.
وهنا «فلولا» حيث تعني «هلّا» هي استنكار على الأمم الغابرة بقلة أولي بقية فيهم ينهون عن الفساد في الأرض ، فالأمة التي يشيع فيها الفساد في أية صورة من صورة ، فتجد من ينهض لدفعه والدفاع عن الحق ، ليس ليأخذها الله بالعذاب المدمّر المزمجر ، وأما الأمم التي يشيع فيها الفساد ، ثم لا ينهض لحمل أعباء الدعوة الصالحة فيها ، المصلحة لها ، إلّا قليل غير كاف ، فقد تكون مأخوذة بشايع الفساد.
وهنا تنديد شديد بالذين يفسدون في الأرض ولا يصلحون ، فشلا في أولي بقية ، وتزايدا في الفساد وكساد المعرفة وعمل الصالحات ، ننقله
عن الإمام علي أمير المؤمنين (عليه السلام): «عباد الله! إنكم وما تأملون من هذه الدنيا أثوياء مؤجّلون ، ومدينون مقتضون ، أجل منقوص وعمل محفوظ ، فرب دائب مضيّع ، ورب كادح خاسر ـ
وقد أصبحتم في زمن لا يزداد الخير فيه إلّا إدبارا ، والشر فيه إلا إقبالا ، والشيطان في هلاك الناس إلّا طمعا ، فهذا أوان قويت عدّته ، وعمّت مكيدته ، وأمكنت فريسته ـ