والنهي المؤكدين بذلك التكرار في مختلف الصيغ ، كما أمر الله بالسعي إلى صلاة الجمعة ثم نهى عن البيع وقتها ، تأكيدا أكيدا للسعي إليها.
والجمع بينهما هو أجمع وأجمل ، تأكيدا لأصل المحظور ، وبيانا للمحبور ، والعوان بينهما عوان ولكلّ حكمه.
ذلك ، والإيفاء في الكيل والميزان بزيادتهما عن الحق المرام ، وهو معاكسة صالحة للبخس في المكيال والميزان ، يجبر كسره ، فهو من أسباب الغفران فيصبح لفترة مقدرة قدر البخس ـ من معدات الغفران.
فواجب الإيفاء الزيادة هو جبر للنقص والبخس السابق ، وراجحه هو المحبور على أية حال.
(وَلا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْياءَهُمْ) وأشياءهم دون أموالهم مما يشي بعناية كل أشياءهم القابلة للبخس ، وهي كل نواميسهم الحيوية الخمس : نفسا وعقلا ودينا وعرضا ومالا ، فالبخس في هذه الخمس بخس في الحياة نحس ، وإفساد في أرض الحياة يحلّق على كافة الجنبات.
والعيث والعثيّ متقاربان إلّا أن العيث أكثر ما يقال في الفساد المحسوس ، والعثيّ في غير المحسوس ، وكل يستعمل في الآخر قليلا ، وقد يعني (لا تَعْثَوْا) كلا العيث والعثي ، لجواز عنايتهما منه ، وأن أشياء الناس لا تختص بالمحسوس ، كما وأن الإفساد غير مخصوص بالمحسوس ، بل وهو أنكى وأشجى من المحسوس ، فأين بخس العقلية والعقيدة من بخس المال.
وهنا «لا تعثوا مفسدين» فهي مؤكد عن تقصّد الإفساد وهو السعي فيه ، وعبارته الأخرى «لا تفسدوا في الأرض مفسدين» فالإفساد غير المتقصد ، أو الأحياني منه دون أن يصبح عليه متعوّدة ، إنه خارج عن هذا الخطر مهما كان في أصله محظورا ، حيث القصد هنا هو أفسد الإفساد المعبر عنه في آية الإفساد ب (وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَساداً).
وهنا تقارن التناسب بين (لا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْياءَهُمْ وَلا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ) حيث تشملان النواميس الخمس في البخس والإفساد ،