الظاهرة الظافرة ، ثم يعني من (رُكْنٍ شَدِيدٍ) الله ، حيث الانقطاع التام إلى الله والتوكل على الله ليسا إلا بعد تقديم كافة القوات التي هباها الله للمنقطع إليه ، المتوكل عليه ، وما أحسنه المروي عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): «رحم الله لوطا كان يأوي إلى ركن شديد يعني الله تعالى .. (١).
وقد تعني (رُكْنٍ شَدِيدٍ) ـ بين قوته في نفسه وقوة الله ـ عشيرته الغيّب عنه وكما
يروى عن علي (عليه السلام) أنه خطب فقال : عشيرة الرجل للرجل خير من الرجل لعشيرته ، إنه إن كف يده عنهم كف يدا واحدة وكفوا عنه أيديا كثيرة مع مودتهم وحفاظتهم ونصرتهم ، حتى لربما غضب الرجل للرجل وما يعرفه إلّا بحسبه وسأتلوا عليكم بذلك آية من كتاب الله تعالى فتلا : (لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آوِي إِلى رُكْنٍ شَدِيدٍ) قال (عليه السلام) : «والركن الشديد العشيرة فلم يكن للوط (عليه السلام) عشيرة فوالذي لا إله إلّا هو ما بعث الله نبيا بعد لوط إلّا في ثروة من قومه» (٢).
فلقد اسقط لوط في أيديه وأحس ضعفه وضغطه ، وهو غريب بين قومه ، نازح إليهم من بعيد لا عشيرة له تحميه (٣) ، فانفرجت شفتاه بما انفجرت فقال ما قال ، موجها قالته إلى الملائكة الشباب الصباح الوجوه (لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً) أخلصكم بها عن هذه الحالة العصيبة ، وإلى هؤلاء
__________________
(١) الدر المنثور ٣ : ٣٤٤ ـ أخرج جماعة عن أبي هريرة في قوله : أو آوي إلى ركن شديد قال قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) : ..
(٢) المصدر أخرج أبو الشيخ عن علي رضي الله عنه أنه خطب فقال : .. أقول : وذيل الخطبة «فو الذي ..» مروي عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بطرق عدة ومنها ما فسر فيه (رُكْنٍ شَدِيدٍ) ب «الله».
(٣) البحار ١٢ : ١٥٢ عن أبي جعفر (عليه السلام) أن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) سأل جبرئيل كيف كان مهلك قوم لوط فقال : إن قوم لوط كانوا أهل قرية لا يتنظفون من الغائط ولا يتطهرون من الجنابة نجلاء أشحاء على الطعام وان لوطا لبث فيهم ثلاثين سنة وإنما كان نازلا عليهم ولم يكن منهم ولا عشيرة له فيهم ولا قوم ...