نَجْزِي الْمُجْرِمِينَ) الذين يجرمون ثمرات الحياة قطفا لها قبل إيناعها فإفسادا إياها ، فهذه سنة الله الجارية بحق المجرمين كما تقتضيه الحكمة الربانية في حياة التكليف.
ولقد انتهى بالمشركين العرب إسرافهم وظلمهم لحد التهديد الشديد لهم بمصارع الغابرين ، وهم أولاء يرون بقية لها في الجزيرة بمساكن عاد وثمود وقرى قوم لوط : (أَفَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ كَمْ أَهْلَكْنا قَبْلَهُمْ مِنَ الْقُرُونِ يَمْشُونَ فِي مَساكِنِهِمْ) (٢٠ : ١٢٨) (فَتِلْكَ مَساكِنُهُمْ لَمْ تُسْكَنْ مِنْ بَعْدِهِمْ إِلَّا قَلِيلاً) (٢٨ : ٥٨) (وَعاداً وَثَمُودَ وَقَدْ تَبَيَّنَ لَكُمْ مِنْ مَساكِنِهِمْ) (٢٩ : ٣٨) (فَأَصْبَحُوا لا يُرى إِلَّا مَساكِنُهُمْ) (٣٦ : ٢٥).
(ثُمَّ جَعَلْناكُمْ خَلائِفَ فِي الْأَرْضِ مِنْ بَعْدِهِمْ لِنَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ)(١٤).
وهنا «خلائف» جمع «خليفة» صيغة مكرورة عن آدم وبنيه أجمعين ، في عامة الحقول وخاصتها ، فآدم ـ بذريته ـ خليفة عن أمثاله الغابرين : (إِنِّي جاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً) (٢ : ٣٠) ثم الناجون من قوم نوح خلفاء من غرقوا : (وَجَعَلْناهُمْ خَلائِفَ وَأَغْرَقْنَا الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا) (١٠ : ٧٣) ـ (وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفاءَ مِنْ بَعْدِ قَوْمِ نُوحٍ) (٧ : ٦٩) وكذلك الباقون بعد عاد : (وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفاءَ مِنْ بَعْدِ عادٍ وَبَوَّأَكُمْ فِي الْأَرْضِ) (٧ : ٧٤).
وهكذا كل قرن حاضر عن كل قرن غابر (هُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلائِفَ فِي الْأَرْضِ فَمَنْ كَفَرَ فَعَلَيْهِ كُفْرُهُ) (٣٥ : ٣٩) (وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلائِفَ الْأَرْضِ) (٦ : ١٦٥) ثم قرن خاص وقرون خاصة للصالحين هم خلفاء الأرض على الإطلاق : (أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذا دَعاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفاءَ الْأَرْضِ) (٢٧ : ٦٢).
ذلك ، وليست الخلافة إلا في حقل المتجانسين في كون أو كيان ، بانقراض المستخلف عنه كونا ، أم بقاءهم وانقراضهم كيانا ، فلا تعني الخلافة على أية حال خلافة عن الله ، إذ لا مجانسة بينه وبين أي من