مضطجع لعلته (أَوْ قاعِداً) لعلة لا يقدر على القيام «أو قائما» لا علة له في الحالات الثلاث الأول ، و «أو» إذا للترويد حيث لا تجتمع هذه الحالات الأخيرة له ، فهو لا يزال يدعوا مقعدا أو سليما وفي كل حالاته ، حيث يعرض كل حالة وكل وضع وكل مظهر ومنظر دون إبقاء في ذلك الدعاء!.
(فَلَمَّا كَشَفْنا عَنْهُ ضُرَّهُ مَرَّ) : ذهب إلى ما كان يهواه من شهواته متغافلا عن ربه (كَأَنْ لَمْ يَدْعُنا إِلى ضُرٍّ مَسَّهُ) فلو ذكر دعاءه ربه إلى ضر مسه لكان معتدلا في سلوكه ، غير معرض عن ربه ، ولكن (كَذلِكَ زُيِّنَ لِلْمُسْرِفِينَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ) حيث (وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ أَعْمالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ فَهُمْ لا يَهْتَدُونَ) (٢٧ : ٢٤) وهذا جزاء لمن لا يرجو لقاء ربه : (إِنَّ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ زَيَّنَّا لَهُمْ أَعْمالَهُمْ فَهُمْ يَعْمَهُونَ)(٢٧ : ٤).
ذلك ، وإنها صورة سيئة ميّعة لنموذج إنساني مكرور على مدار التأريخ حيث يظل مندفعا بتيارات الحياة ، يذنب ويطغى في ذنبه بصحة موفورة وملابسات مؤاتية.
ثم إذا مسه الشر والضر فإذا هو جزوع ذو دعاء عريض ، ثم إذا كشف الله عنه ضره (مَرَّ كَأَنْ لَمْ يَدْعُنا إِلى ضُرٍّ مَسَّهُ)! مر دون توقف ليفكر أو يشكر أو يعتبر ، مندفعا مع تيار الحياة ، غريقا في الشهوات دون أي زاجر أو كابح أو أية مبالات.
(وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَمَّا ظَلَمُوا وَجاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ وَما كانُوا لِيُؤْمِنُوا كَذلِكَ نَجْزِي الْقَوْمَ الْمُجْرِمِينَ)(١٣).
تذكير بمصارع الغابرين نبهة للحاضرين وإلى يوم الدين (وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ مِنْ قَبْلِكُمْ) كقرن نوح وعاد وثمود وأصحاب الرس وفرعون وأضرابهم بمختلف ألوان الهلاك (لَمَّا ظَلَمُوا) ظلما يجازي هنا قبل الأخرى «و» الحال انهم (جاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ ثم «و» الحال أنهم (ما كانُوا لِيُؤْمِنُوا) فلو كانوا يؤمنون بعد كفرهم ما كنا مهلكيهم ، (كَذلِكَ