وعلى أية حال (لَقُضِيَ إِلَيْهِمْ أَجَلُهُمْ) وهو تقديم لآجالهم المسماة إلى قضية العقوبة المستعجلة ، ولكن (فَنَذَرُ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقاءَنا) مشركين وموحدين كتابين وسواهم (فِي طُغْيانِهِمْ يَعْمَهُونَ) ف (لا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّما نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لِأَنْفُسِهِمْ إِنَّما نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدادُوا إِثْماً وَلَهُمْ عَذابٌ مُهِينٌ) (٣ : ١٧٨) (وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ) (٦٨ : ٤٥ و٧ : ١٨٣).
ذلك ومن عمق الحمق لهؤلاء الأغباش الذين لا يرجون لقاء الله أنهم يتجرءون على تطلّب عاجل العذاب إن كان الرسل صادقين فيما ينذرون : (وَيَقُولُونَ مَتى هذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) (١٠ : ٤٨) (وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالسَّيِّئَةِ قَبْلَ الْحَسَنَةِ وَقَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِمُ الْمَثُلاتُ) (١٣ : ٦) (وَإِذْ قالُوا اللهُمَّ إِنْ كانَ هذا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنا حِجارَةً مِنَ السَّماءِ أَوِ ائْتِنا بِعَذابٍ أَلِيمٍ) (٨ : ٣٢) مما يصدر أبعاد العناد التي كانوا يواجهون بها رسل الله.
فلو أن الله قابل استعجالهم أنفسهم بالخير كما يهوون ، باستعجال الشر الذي يطلبون أم لا يطلبون ، لقضي إليهم أجلهم قبل حلوله.
ذلك ، ولرجاء الله علامات دون اعتبار بمجرد الادعاء وكما يفصله الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) منددا بمن يدعيه ولا يحويه : «يدعي بزعمه أنه يرجو الله ، كذب والعظيم ، ما باله لا يتبين رجاءه في عمله ، فكل من رجا عرف رجاءه في عمله إلا رجاء الله فإنه مدخول ، وكل خوف محقّق إلا خوف الله فإنه معلول ، يرجو الله في الكبير ، ويرجو العباد في الصغير ، فيعطي العبد ما لا يعطي الرب ، فما بال الله جل ثناءه يقصّر به عما يصنع لعباده؟ ـ
أتخاف أن تكون في رجاءك له كاذبا ، أو تكون لا تراه للرجاء موضعا ، وكذلك إن هو خاف عبدا من عبيده أعطاه من خوفه ما لا يعطي ربه ، فجعل خوفه من العباد نقدا ، وخوفه من خالقه ضمارا ووعدا ، وكذلك من عظمت الدنيا في عينه ، وكبر موقعها من قلبه ، آثرها على الله فانقطع إليها وصار عبدا لها» (الخطبة ١٥٩).