سرّاء الحياة بذكر الله : (الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللهِ أَلا بِذِكْرِ اللهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ) (١٣ : ٢٨).
فالذين يعيشون مثلث الإيمان وعمل الإيمان والإخبات إلى الرحيم الرحمان هم من أصحاب الجنان (هُمْ فِيها خالِدُونَ).
والإخبات هو التسليم (١) بعد سليم الإيمان وعمل الإيمان ، التسليم الطليق لله دون سواه ، (فَإِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ فَلَهُ أَسْلِمُوا وَبَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ) (٢٢ : ٣٤) (وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَيُؤْمِنُوا بِهِ فَتُخْبِتَ لَهُ قُلُوبُهُمْ وَإِنَّ اللهَ لَهادِ الَّذِينَ آمَنُوا إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ) (٢٢ : ٥٤).
أجل فالمخبتون إلى ربهم هم (رِجالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللهِ) «وإن للذكر لأهلا أخذوه من الدنيا بدلا ، فلم تشغلهم تجارة ولا بيع عنه ، يقطعون به أيام الحياة ، ويهتفون بالزواجر عن محارم الله في أسماع الغافلين ، ويأمرون بالقسط ويأتمرون به ، وينهون عن المنكر ويتناهون عنه ، فكأنما قطعوا الدنيا إلى الآخرة وهم فيها ، فشاهدوا ما وراء ذلك ، فكأنما اطلعوا غيوب أهل البرزخ في طول الإقامة فيه ، وحققت القيامة عليهم عداتها ، فكشفوا غطاء ذلك لأهل الدنيا حتى كأنهم يرون ما لا يرى الناس ، ويسمعون ما لا يسمعون ، فلو مثلتهم لعقلك في مقاومهم المحمودة ، ومجالسهم المشهودة ، وقد نشروا دواوين أعمالهم ، وفزعوا لمحاسبة أنفهسم عن كل صغيرة وكبيرة أمروا بها فقصّروا عنها ، أو نهوا عنها ففرّطوا فيها ، وحمّلوا ثقل أوزارهم ظهورهم ، فضعفوا عن الاستقلال بها ، فنشجوا نشيجا ، وتجاوبوا نحيبا ، يعجّون إلى ربهم من مقام ندم واعتراف ، لرأيت أعلام هدى ، ومصابيح دجى ، قد حفّت بهم
__________________
(١) نور الثقلين ٢ : ٣٤٧ عن زيد الشحام عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال قلت له : إن عندنا رجلا يقال له كليب فلا يجيء عنكم شيء إلا قال : أنا أسلم ، فسميناه كليب تسليم ، قال : فترحم عليه ثم قال : أتدرون ما التسليم؟ فسكتنا ، فقال : هو والله إلا خبات قول الله عزّ وجلّ : (الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَأَخْبَتُوا إِلى رَبِّهِمْ ..).