آنسك بهلكة نفسك ، أما من داءك بلول ، أم ليس من نومك يقظة ، أما ترحم من نفسك ما ترحم به غيرك ، فلربّما ترى الضاحي من حرّ الشمس فتظله ، أو ترى المبتلى بألم يمضّ جسده فتبكي رحمة له ، فما صبرك على داءك ، وجلّدك بمصابك ، وعزّاك عن البكاء على نفسك وهي أعز الأنفس عليك ، وكيف لا يوقظك خوف بيات نقمة وقد تورطت بمعاصيه مدارج سطواته ، فتداو من داء الفترة في قلبك بعزيمة ، ومن كرى الغفلة في ناظرك بيقظة ، وكن لله مطيعا ، وبذكره آنسا ، وتمثّل في حال تولّيك عنه إقباله عليك يدعوك إلى عفوه ، ويتغمّدك بفضله ، وأنت متولّ عنه إلى غيره ـ
فتعالى من قوي ما أكرمه ، وتواضعت من ضعيف ما أجرأك على معصية وأنت في كنف ستره مقيم ، وفي سعة فضله متقلب ، فلم يمنعك فضله ، ولم يهتك عنك ستره ، بل لم تخل من لطفه مطرف عين ، في نعمة يحدثها لك ، أو سيئة يسترها عليك ، أو بلية يصرفها عنك ، فما ظنك به لو أطعته ، وأيم الله لو أن هذه الصفة كانت في متفقين في القوة ، متوازنين في القدرة ، لكنت أول حاكم على نفسك بذميم الأخلاق ، ومساوئ الأعمال ـ
وحقا أقول : ما الدنيا غرتك ، ولكن بها اغتررت ، ولقد كاشفتك العظات ، وآذنتك على سواء ، ولهي بما تعدك من نزول البلاء بجسمك ، والنقص في قوتك ، أصدق وأوفى من أن تكذبك أو تغرك ، ولرب ناصح لها عندك متهم ، وصادق من خبرها مكذّب ، ولئن تعرفتها في الديار الخاوية ، والربوع الخالية ، لتجدنها من حسن تذكيرك ، وبلاغ موعظتك بمحلة الشفيق عليك ، والشحيح بك ، ولنعم دار من لم يرض بها دارا ، ومحلّ من لم يوّطنها محلا ، وإن السّعداء بالدنيا غدا هم الهاربون منها اليوم» (الخطبة ٢١٤).
(إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ يَهْدِيهِمْ رَبُّهُمْ بِإِيمانِهِمْ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهارُ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ (٩) دَعْواهُمْ فِيها سُبْحانَكَ اللهُمَّ وَتَحِيَّتُهُمْ فِيها سَلامٌ وَآخِرُ دَعْواهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ)(١٠).