جارا جاوركم بدني أياما وستعقبون مني جثَّة خلاء ساكنة بعد حراك ، وصامتة بعد نطوق ، ليعظكم هدوَّي وخفوت أطراقي وسكون أطرافي ، فإنه أوعظ للمعتبرين من المنطق البليغ والقول المسموع ، وداعي لكم وداع امرئ مرصد للتلاقي ، غدا ترون أيامي ، ويكشف لكم عن سرائري ، وتعرفونني بعد خلوَّ مكاني ، وقيام غيري مقامي» (الخطبة ١٤٩) وقد يعني من غيره من يغايره في مقامه كمعاوية.
أجل ، فهم أولاء المعصومون (عليهم السلام) من ذرية الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) «موضع سرَّه ، ولجأ أمره ، وعيبة علمه ، وموئل حكمه ، وكهوف كتبه ، وجبال دينه ، بهم أقام انحناء ظهره ، وأذهب ارتعاد فرائصه» (من الخطبة ٢).
ف «بنا اهتديتم في الظلماء ، وتسنمتم العلياء ، وبنا انفجرتم عن السَّرار ، وقر سمع لم يفقه الواعية ، وكيف يراعي النبأة من أصمَّته الصيحة ، ربط جنان لم يفارقه الخفقان ، ما زلت أنتظر بكم عواقب الغدر ، وأتوسَّمكم بحلية المغترَّين ، سترني عنكم جلباب الدين ، وبصَّرنيكم صدق النية ، أقمت لكم على سنن الحق في جوادَّ المضلَّة ، حيث تلتقون ولا دليل ، وتحتفرون ولا تميهون ، اليوم أنطق لكم العجماء ذات البيان ، غرب رأي امرئ تخلَّف عني ، ما شككت في الحق مذ أريته ، لم يوجس موسى (عليه السلام) خيفة على نفسه ، أشفق من غلبة الجهال ، ودول الضلال ، اليوم توافقنا على سبيل الحق والباطل ، من وثق بماء لم يظمأ» (الخطبة ٤).
ذلك ، وقد وصفه رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بأوصاف منقطعة النظير إلَّا لهذا البشير النذير ، وهي حسب ما حصلنا عليه زهاء ثلاثمائة وصفا منضَّدة كالتالية حسب ترتيب حروف الهجاء ـ وقد خلفت أوصافه إياها كلها ـ رواها مئات من الرواة ، وأخرجها جماهير وفيرة من
__________________
ـ قال ابن عباس : فوالله ما أسفت على كلام قط كأسفي على هذا الكلام أن لا يكون أمير المؤمنين (عليه السلام) بلغ منه حيث أراد.