فمن الناس من يقول لا سبيل هنا إلى معرفة الله ، حيث الطريقة العلمية التجريبية لا تثبته ، وهو غيب مطلق لا يمكن الوصول إليه بأية وسيلة ، فلو أنه كائن فلا سبيل لنا إلى معرفته فلا لقاء له معرفيا ، ولم لم يرنا نفسه لو أنه كائن؟ أفعاجز عن إراءة نفسه فهو القاصر في حقل معرفته ، وما نحن بمقصرين! أم قادر ويبخل؟ فهو المقصر في قصور معرفته دوننا!.
ثم لو أنه كائن وعرفناه ، فما لنا أن نتعرف إليه كما يحق ، أو نعبده كما يحق ، فحق لنا ـ إذا ـ أن نعبد من عباده الرعيل الأعلى العارفين إياه.
ولكن الطريقة العلمية نفسها مما تثبت وجود الله ، إضافة إلى كافة البراهين الصالحة ، فلا يملك أي كائن ما يملكه الله من البراهين الساطعة على وجوده وتوحيده ، وليس من الممكن أن يرينا نفسه إلّا أن نحيط به علما وهو ألوهية ثانية ، والمحال الذاتي لا يتحول ممكنا حتى يحوّله الله إلى الإمكان ، فنتمكن ـ إذا ـ من رؤيته!.
وأما عبوديته ، فهي المستحقة له لا سواه ، وقد رضيها لنفسه دون سواه ، وذلك من حنانه ومنّه الخاص أن رضي منا أن نعبده دون سواه.
ثم منهم من يعترف بوجوده تعالى ووحدته ولكنه يقول : لا سبيل لنا إلى معرفة الحياة بعد الموت ، رغم أنها ضرورة لا حول عنها قضية الحكمة العادلة الربانية؟ ولكنها ضرورة في ميزان العقل والعدل والوحي لا حول عنها ، والتصديق عقيديا وعمليا بحقيقة لا يلازم الحيطة الكاملة على هذه الحقيقة ، مبدأ ومعادا ، فقد تكفي المعرفة الإجمالية المستطاعة ، إذ (لا نُكَلِّفُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها).
ذلك ، ولقاء الله بأسمائه الحسنى بين مفروض ومستحيل وواقع ، فالواقع على أية حال هو الصلة الذاتية لكل الكائنات بدائب الرحمة الإلهية ، حيث لا ينقطع أي مخلوق عن الخالق إلّا بانقطاعه عن كونه ، لأن الفقر الذاتي للمخلوق كونا وكيانا إلى الله يجعله دائم الصلة بالله وهذه هي اللقاء الواقع ، حاصلا دون تحصيل ، والمستحيل هو لقاء ذاته تعالى