يعيد عرشه على الماء كما كان أوّل مرة مستقلا بعظمته وقدرته (١) إذ (كَما بَدَأْنا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ) (٢١ : ١٠٤) إعادة إلى ما كان «ماء» ثم خلقا آخر من نفس المادة ، مهما اختلف خلق عن خلق ، حيث الأرواح لا تبيد ، اللهم إلّا صعقة ، فالماء المعاد قد يختلف اختلافا عن الماء الأول المبدإ المبدع.
ذلك ، فلا دور للهرطقة الحمقاء أن الكائنات هي قديمة زمنية قضية دوام فضله وفيضه تعالى ، وأن المعلول ليس لينفك عن العلة أبدا؟. حيث القدم الأزلي يناقض الزمان ، وليس الله علة والدة دون إرادة لخلقه حتى لا ينفكّا عن بعضهما البعض ، وليس دوام فضله وفيضه مما يقتضي أن يلازمه أزلي سواه (٢) إضافة إلى أن الأزلية هي أصل للغنى الذاتية ، فكيف يكون الخلق أزليا زمانيا ، وأزليته تغنيه عن الخالق ، وزمنيته تحوجه إليه وتخرجه عن الأزلية؟.
هذا ، وكافة الأدلة الموحدة لله ، المحوجة لخلق الله إلى الله ، هي معسكرة مبرهنة لأن الكائنات المخلوقة لها بداية ، ولا أزلي إلا الله ، ويكأن هؤلاء العقلاء الذين يرون أنفسهم عللا لأفعالهم بالإرادة ، فلا تلازمهم أفعالهم ، هؤلاء هم لا يرون لله تعالى إرادة حتى يسمحوا له وحدة دون خلقه ، فيختلقون له وهدة أنه علة والدة أوتوماتيكية خلقت من نفس ذاتها معاليلها ، قائلين غائلين بوحدة حقيقة الوجود ومسانخته بين الخالق والمخلوق ، حال أن العلة غير المريدة ، الأتوماتيكية ، أيضا قد تنفصل عن معلولها كالنار لمكان (كُونِي بَرْداً وَسَلاماً)! فهم ـ إذا ـ ينزلون العلة الخالقة! عن العلل المخلوقة غير المريدة فضلا عن العلل المريدة كأنفسهم أولآء!.
__________________
(١) المصدر عن تفسير القمي يقول (عليه السلام) «و (تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ) يعني بأرض لم تكسب عليها الذنوب ، بارزة ليس عليها جبال ولا نبات كما دحاها أوّل مرة ويعيد عرشه ..
(٢) وكونه دائم الفضل على البرية ليس إلا بعد خلق البرية ، ومهما كانت البرية أيضا من فضله ولكن أصل فضله هو من فعله فليس أزليا بل هو حادث كسائر الحادثات!.