إختيار ولا فرار؟ الآن وقد سبق العصيان والاستكبار ، الآن (وَقَدْ عَصَيْتَ) في مجالتك الفاسحة ما استطعت (وَكُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ) طول حياتك؟ والإيمان عند رؤية البأس قاحل ماحل لا أصل له إلّا بغية الخلاص؟ : (فَلَمَّا رَأَوْا بَأْسَنا قالُوا آمَنَّا بِاللهِ وَحْدَهُ وَكَفَرْنا بِما كُنَّا بِهِ مُشْرِكِينَ. فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إِيمانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنا سُنَّتَ اللهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ فِي عِبادِهِ وَخَسِرَ هُنالِكَ الْكافِرُونَ) (٤٠ : ٨٥) (يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آياتِ رَبِّكَ لا يَنْفَعُ نَفْساً إِيمانُها لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمانِها خَيْراً) (٦ : ١٥٨) (١).
وقد يروى عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قوله : «قال لي جبرئيل ما أبغضت شيئا من خلق الله ما أبغضت إبليس يوم أمر بالسجود فأبى أن يسجد ، وما أبغضت شيئا أشد غضبا من فرعون فلما كان يوم الغرق خفت أن يعتصم بكلمة الإخلاص فينجو فأخذت قبضة من حمأة فضربت بها في فيه فوجدت الله أشد غضبا مني ..» (٢).
__________________
(١) نور الثقلين ٢ : ٣١٦ عن عيون أخبار الرضا (عليه السلام) بإسناده إلى إبراهيم بن محمد الهمداني قال قلت لأبي الحسن الرضا (عليه السلام): لأي علة غرق الله تعالى فرعون وقد آمن به وأقر بتوحيده ، قال : لأنه آمن عند رؤية البأس والإيمان عند رؤية البأس غير مقبول وذلك حكم الله تعالى ذكره في السلف والخلف قال الله تعالى : (فَلَمَّا رَأَوْا بَأْسَنا ..) وقال (يَوْمَ يَأْتِي ..) وهكذا فرعون لما أدركه الغرق قال آمنت أنه لا إله إلّا الذي آمنت به بنو إسرائيل وأنا من المسلمين فقيل له : الآن وقد عصيت .. وقد كان فرعون من قرنه إلى قدمه في الحديد قد لبسه على بدنه فلما غرق ألقاه الله تعالى على نجوة من الأرض ببدنه ليكون لمن بعده علامة فيرونه مع تثقله بالحديد على مرتفع من الأرض وسبيل الثقل أن يرسب ولا يرتفع فكان ذلك آية وعلامة ...».
(٢) نور الثقلين ٢ : ٣١٨ في تفسير القمي في الآية : فإن موسى أخبر بني إسرائيل أن الله عزّ وجلّ قد أغرق فرعون فلم يصدقوه فأمر الله عزّ وجلّ البحر فلفظ به على ساحل البحر حتى رأوه ميتا.
وفيه عن أبي جعفر (عليه السلام): فلما توسط فرعون ومن معه أمر الله البحر فأطبق عليهم فغرقهم أجمعين ... أن قوم فرعون ذهبوا أجمعين في البحر فلم ير منهم أحد في البحر هووا إلى النار فأما فرعون فنبذه الله عزّ وجلّ وحده فألقاه بالساحل لينظروا إليه وليعرفوه ـ