بجزئيها عن جزئي الإنسان لا تبقى مكلفة تعذب هنا وفي الأخرى ، كما لو جنّ عاقل عاص ومات مجنونا ، حيث المعيار في الحساب هو الحالة التي يموت فيها المحاسب ، إن عاقلا فإلى ثواب او عقاب ، وإن مجنونا أو قردا أم أي حيوان لا يعقل فلا حساب إلّا قدر ما يشعر.
فالروح الإنسانية التي عاشت جسمها فترة ، ثم حول جسمها إلى قرد إنها تذوق أشد العذاب بما تعقل.
وأما أن تحوّل أرواحهم ـ فقط ـ قردة مع بقاء أبدانهم فلا نكال لهم ـ إذا ـ ولا لما بين يديها ولا خلفها ، حيث لا يرون نكالها.
هنا تحوّل إلى قردة خاسئين نكالا او موعظة ، فما ذا تحوّل القردة أناسي ـ على حدّ مزعمة دارون ـ فإذ نقبل التحول الأول بدليل قاطع كما هنا ، لسنا لنقبل التحول الآخر بمجرد التشابه دون دليل ، وآيات خلق الإنسان من طين لازب ـ من صلصال من حماء مسنون ـ وكالفخار ، ليست لتقبل هكذا تأويل ، والبحث آت في طيات آياته.
(فَجَعَلْناها نَكالاً لِما بَيْنَ يَدَيْها وَما خَلْفَها وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ) (٦٦).
النكال هو الضعف والعجر والقيد والحجز ، فالنكال العجز والحجز مجعول هنا لمثلث (لِما بَيْنَ يَدَيْها ـ وَما خَلْفَها ـ وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ).
وترى (لِما بَيْنَ يَدَيْها وَما خَلْفَها) أهم الأمم التي كانت تشاهدها من حاضرين لمشهدها ليكون نواحا ذرين عن محتدها (وَما خَلْفَها) هم الأمم التي أتت بعدها وهوت هواها فطغت طغواها (١)؟ إذا فلما ذا «ما» وهي تلمح لغير ذوي العقول؟.
__________________
(١) في تفسير البرهان ١ : ١٠٥ عن زرارة عن أبي جعفر وأبي عبد الله (عليهما السلام) في الآية قال : لما معها ينظر إليها من اهل القرى ، ولما خلفها قال : نحن ولنا فيها وعظة.