هذا ولأن الإماتة الثانية لا تزعج الصالحين لا يأتون في الاخرى بذكرها إلّا تلميحا : (أَفَما نَحْنُ بِمَيِّتِينَ إِلَّا مَوْتَتَنَا الْأُولى وَما نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ) (٣٧ : ٥٩) استثناء منقطع يعني أن لا موت في الآخرة ، اللهم إلّا الموتة الاولى في الاولى ، فلولا الموتة الثانية لم تكن لصيغة الاولى من معنى.
واما الكفار فتهمّهم الموتة الثانية وأكثر من الأولى ، فانها تنقلهم الى دار البوار ، جهنم يصلونها فبئس القرار ، ولذلك يصرحون بها دون المؤمنين ، وفي تصريحة يوم الدين حجة عليهم ، وحجة للمؤمنين يوم الدنيا تدليلا على حياة برزخية بين الحياتين.
ثم هذا الخطاب العام : (كَيْفَ تَكْفُرُونَ) يعني الحالة العامة السائرة لسائر الناس ، لا الذين لهم حياة ثانية وإماتة اخرى في الحياة الدنيا : (كَالَّذِي مَرَّ عَلى قَرْيَةٍ ... فَأَماتَهُ اللهُ مِائَةَ عامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ) و (الَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ حَذَرَ الْمَوْتِ فَقالَ لَهُمُ اللهُ مُوتُوا ثُمَّ أَحْياهُمْ فَأَخَذَتْكُمُ الصَّاعِقَةُ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ ثُمَّ بَعَثْناكُمْ مِنْ بَعْدِ مَوْتِكُمْ فَقُلْنا اضْرِبُوهُ بِبَعْضِها كَذلِكَ يُحْيِ اللهُ الْمَوْتى) إحياءات وإماتات أخرى لبعض الناس ، تدليلا حسيّا على أن وعد الله حق!
وترى كيف تحتج آيتنا على منكري المبدء والوحي بنكران المعاد؟ لأنها تحمل دليل التطور بعد ما ثبت المبدء والوحي بما مضى ، قرن الدليل الحسي الى العقلي ، إذا ف (كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللهِ)؟!.
ثم الموت هنا (وَكُنْتُمْ أَمْواتاً) من باب العدم والملكة لا عدم الملكة ، فكما يصدق على من مات عن حياة ، كذلك الموت البدائي الذي تلحقه حياة ، فلا يقال لما لا يقبل الحياة ميّت ، وإنما لما يقبلها كما هنا ، او ما يستقبلها كما في الموت بعد الحياة ، و «أمواتا» هنا تعني الموت الثاني حيث الاول تخصّ لفظة الإماتة دون (كُنْتُمْ أَمْواتاً).