البصرية كما نفصلها في طيات آياتها.
وإذا كانت سائر الآيات تدل على نبوات أصحابها وما يدعون من وحي السماء ، شهادات منفصلة عن تلكم النبوات ، فآية القرآن شهادة ذاتية على وحيها ونبوة نبيّها دون انفصال ، إذا فهي ادلّ وأقوى من سائر الآيات ، دلالة ذاتية وخلودا ضاربا في اعماق الزمن.
فلم يكن المرسل إليهم في سائر النبوات يطالبون أصحابها بتلكم الآيات إلّا تدليلا لاثبات نبواتهم ، دلالة النظير على نظيره ، حيث الوحي آية غير ملموسة ، فلتدل عليه آية نظيرة لها في كونها فعل الله مهما كانت ـ ولا بد ـ ملموسة.
ولكنما القرآن آية هذه النبوة ، وهي نفس الوحي النبوة ، آية تقرء وتسمع وتفهم ، تدل بنفسها على آية الوحي النبوة ، وعلى صدق مدعيها ، كما تتوسط بين النبوة والرسالة حجة تثبتهما : (يس. وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ. إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ) حيث يستدل بحكمة القرآن في صيغة القسم ـ التي كلها في القرآن برهان ـ يستدل بها لإثبات دعوى سابقة : «يس» : يا سامعا للوحي! وهو النبوة ـ وأخرى لاحقة : (إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ) : الرسالة التي هي بعد النبوة النبوئة (١).
إذا فالقول : إن المعجزات انما هي للعوام الذين عقولهم في عيونهم ، دون الخواص المميزين الحق عن الباطل ، إنه هراء ـ حيث المعجزات انما تثبت النبوات ، لا الأحكام الرسالية التي ياتي بها رسل الله ،
__________________
(١) حيث النبوءة وهي خبر الوحي تتقدم على الرسالة ، ولكنما النبوة وهي رفعة الرسالة هي بعد الرسالة كما نبحث عنها في آياتها ، ونبحث عن الوحي والنبوة والرسالة مفصلة في مناسباتها.