بوقوع العذاب بهم تكذيبا وجحودا ، وكفرا وعنادا ، واستبعادا لحدوثه ، فيقولون على سبيل الاستهزاء للنبي صلىاللهعليهوسلم ولأصحابه المؤمنين لجهلهم وغفلتهم : متى وقت حدوث عذاب النار الذي تهددوننا به إن كنتم صادقين في وعدكم وقولكم؟! فقوله تعالى : (إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) أي يا معشر المؤمنين.
أراد تعالى نهيهم عن الاستعجال وزجرهم ، فقدّم أولا ذمّ الإنسان على إفراط العجلة ، وأنه مطبوع عليها ، ثم نهاهم وزجرهم عن استبطاء الموعود به بقصد إنكار وقوعه وعدم تصوره أصلا ، ثم بيّن مدى حماقتهم بهذا الطلب فقال :
(لَوْ يَعْلَمُ الَّذِينَ كَفَرُوا حِينَ لا يَكُفُّونَ عَنْ وُجُوهِهِمُ النَّارَ ..) أي لو تيقنوا أن العذاب واقع بهم لا محالة ، لما استعجلوا ، ولو علموا أحوال عذاب النار التي تحيط بهم من الأمام والخلف وجميع الجهات ، وحين يغشاهم العذاب من فوقهم ومن تحت أرجلهم ، فلا يستطيعون ردّ النار عن وجوههم ، ولا دفعها عن ظهورهم ، ولا يجدون ناصرا لهم ينصرهم ويمنعهم من العذاب وينقذهم منه كما قال تعالى : (وَما لَهُمْ مِنَ اللهِ مِنْ واقٍ) [الرعد ١٣ / ٣٤] ، وجواب (لَوْ) محذوف ، أي لو علموا وقت الوعيد ، لما أصروا في البقاء على كفرهم ، ولما استعجلوا هذا العذاب الشديد.
والعلم في قوله تعالى : (لَوْ يَعْلَمُ) بمعنى المعرفة ، فلا يقتضي مفعولا ثانيا ، مثل (لا تَعْلَمُونَهُمُ ، اللهُ يَعْلَمُهُمْ) [الأنفال ٨ / ٦٠].
وإنما خص الوجوه والظهور ؛ لأن شدة تأثرها بالعذاب أكثر.
ونظير الآية : (لَهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ ظُلَلٌ مِنَ النَّارِ ، وَمِنْ تَحْتِهِمْ ظُلَلٌ) [الزمر ٣٩ / ١٦] ، وقوله أيضا : (لَهُمْ مِنْ جَهَنَّمَ مِهادٌ ، وَمِنْ فَوْقِهِمْ غَواشٍ) [الأعراف ٧ / ٤١] ، وقوله كذلك : (سَرابِيلُهُمْ مِنْ قَطِرانٍ ، وَتَغْشى وُجُوهَهُمُ النَّارُ) [إبراهيم ١٤ / ٥٠] فالعذاب محيط بهم من جميع جهاتهم.