والمراد من ذلك : أنا نعاملكم معاملة من يختبركم ، لنعرف الصابر في الشدائد ، والشاكر في الرخاء.
(وَإِلَيْنا تُرْجَعُونَ) أي ومرجعكم ومصيركم في النهاية إلينا ، أي إلى حكمنا ومحاسبتنا ومجازاتنا ، فنجازيكم بأعمالكم. وفي هذا وعد بالثواب ، ووعيد بالعقاب.
والابتلاء لا يكون إلا بعد التكليف ، والتكليف لا يكون إلا بعد البلوغ والعقل ، فالآية دالة على حصول التكليف ، والتكليف لا يقتصر بالمكلف على ما أمر به ونهي عنه ، بل ابتلاه بأمرين :
أحدهما ـ ما سماه خيرا : وهو نعم الدنيا من الصحة واللذة والسرور.
والثاني ـ ما سماه شرا : وهو المضارّ الدنيوية من الفقر والآلام وسائر الشدائد النازلة بالمكلفين.
وإنما سمي ذلك ابتلاء ، والله عالم بما سيكون من أعمال العالمين قبل وجودهم ؛ لأنه في صورة الاختبار.
(وَإِذا رَآكَ الَّذِينَ كَفَرُوا ، إِنْ يَتَّخِذُونَكَ إِلَّا هُزُواً) أي وإذا رآك كفار قريش كأبي جهل وأشباهه ، ما كان همهم إلا السخرية منك ، وما يتخذونك إلا مهزوءا به ، فيستهزءون بك وينتقصونك ، وكان جديرا بهم التفكير في سلوكك وأخلاقك ، وفيما ينزل عليك من وحي فيه عظة وذكرى للعقلاء ، وهم الذين حمى الله نبيهم منهم بقوله : (إِنَّا كَفَيْناكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ) [الحجر ١٥ / ٩٥].
وهم القائلون : (أَهذَا الَّذِي يَذْكُرُ آلِهَتَكُمْ) أي يقولون تعجبا واستنكارا : أهذا الذي يعيب آلهتكم ويسفّه أحلامكم؟!
(وَهُمْ بِذِكْرِ الرَّحْمنِ هُمْ كافِرُونَ) أي والحال أنهم كافرون بالله الذي خلقهم