(أَفَإِنْ مِتَّ فَهُمُ الْخالِدُونَ) أي هل إذا متّ أنت أيبقى هؤلاء المشركون بربهم؟ لا ، بل الكل ميتون ، فلا يؤملون أن يعيشوا بعدك.
وهذا رد على المشركين الذين كانوا يتمنون موت رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، وكانوا يقدرون أنه سيموت ، فيشمتون بموته ، فنفى الله تعالى عنه الشماتة بهذا.
ونظير الآية قوله تعالى : (كُلُّ مَنْ عَلَيْها فانٍ ، وَيَبْقى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالْإِكْرامِ) [الرحمن ٥٥ / ٢٦ ـ ٢٧].
أخرج البيهقي وغيره عن عائشة رضياللهعنها قالت : دخل أبو بكر على النبي صلىاللهعليهوسلم ، وقد مات ، فقبّله وقال : وا نبياه ، وا خليلاه ، وا صفيّاه ، ثم تلا : (وَما جَعَلْنا لِبَشَرٍ مِنْ قَبْلِكَ الْخُلْدَ) الآية.
واستدل بهذه الآية الكريمة من ذهب من العلماء إلى أن الخضر عليهالسلام مات ، وليس بحي إلى الآن ؛ لأنه بشر ، سواء كان وليا أو نبيا أو رسولا.
وتأكيدا لبيان موت جميع البشر ، قال تعالى :
(كُلُّ نَفْسٍ ذائِقَةُ الْمَوْتِ) أي كل مخلوق إلى الفناء ، وكل نفس ذائقة مرارة الموت قبل مفارقتها الجسد ، جاء في الحديث : «إن للموت لسكرات» (١) فلا يفرح أحد بموت أحد ، ولا يشمت أو يتشفى لوفاته ، فالكل متجرع كأس المنون. والذوق هنا : مجاز عن الإدراك. والمراد بالموت هنا : مقدماته من الآلام العظيمة.
(وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً) أي نبتليكم ونختبركم بالبلايا والنعم ، أو بالمحبوب والمكروه ، بالشدة والرخاء ، والصحة والسقم ، والغنى والفقر ، والحلال والحرام ، والطاعة والمعصية ، والهدى والضلال ، اختبارا وامتحانا ، لنعلم أتصبرون وتشكرون أم لا؟ وقوله (فِتْنَةً) مصدر مؤكد لنبلوكم من غير لفظه
__________________
(١) روى ابن ماجه في معناه : «اللهم أعني على سكرات الموت».