وقد استدل الرازي بأدلة أخرى عقلية ونقلية على وحدانية الله تعالى ، وهي اثنان وعشرون دليلا ، أربعة عشر منها عقلية ، وثمانية نقلية سمعية ، وأقوى الأدلة العقلية : أنه لو فرضنا وجود إلهين ، لافتقر أحدهما إلى الآخر ؛ لأنه يصبح مركبا من ذاته ومما يشاركه به الآخر ، وكل مركب هو مفتقر إلى جزئه ، وكل مفتقر إلى غيره ممكن ، والإله واجب الوجود لذاته غير ممكن لذاته ، فإذن ليس واجب الوجود إلا الواحد ، وكل ما عداه مفتقر إليه ، وكل مفتقر إلى غيره فهو محدث ، فكل ما سوى الله تعالى محدث.
ومن الأدلة النقلية هذه الآية : (لَوْ كانَ فِيهِما آلِهَةٌ إِلَّا اللهُ لَفَسَدَتا) وهو كقوله : (وَلَعَلا بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ) [المؤمنون ٢٣ / ٩١] وقد صرح الله تعالى بكلمة : (لا إِلهَ إِلَّا هُوَ) في سبعة وثلاثين موضعا من القرآن ، وصرح بالوحدانية في موضعين فقط ، وهما قوله تعالى : (وَإِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ) [البقرة ٢ / ١٦٣] وقوله : (قُلْ : هُوَ اللهُ أَحَدٌ) [الإخلاص ١١٢ / ١] (١).
٣ ـ لا يسأل عما يفعل وهم يسألون ، أي لا يسأله الخلق عن قضائه في خلقه ، وهو يسأل الخلق عن عملهم ؛ لأنهم عبيد. وهذا يدل على أن من يسأل غدا عن أعماله ، كالمسيح والملائكة لا يصلح للألوهية ، وعلى كون المكلفين مسئولون عن أفعالهم.
روي عن علي رضياللهعنه أن رجلا قال له : يا أمير المؤمنين : أيحب ربنا أن يعصى؟ قال : أفيعصى ربّنا قهرا؟ قال ـ أي الرجل ـ : أرأيت إن منعني الهدى ، ومنحني الردى أأحسن إليّ أم أساء؟ قال : إن منعك حقك فقد أساء ، وإن منعك فضله ، فهو فضله يؤتيه من يشاء ، ثم تلا : (لا يُسْئَلُ عَمَّا يَفْعَلُ ، وَهُمْ يُسْئَلُونَ).
__________________
(١) تفسير الرازي : ٢٢ / ١٥٢ ـ ١٥٤