القرية ، فيركض أهلها هاربين منها ، والركض : العدو بشدة الوطء ، فتناديهم الملائكة استهزاء: لا تركضوا ولا تفرّوا ، وارجعوا إلى مواطن الترف والنعم التي كانت سبب بطركم ، لعلكم تسألون شيئا من دنياكم ، استهزاء بهم.
ولما قالت لهم الملائكة : (لا تَرْكُضُوا) ونادت : يا لثارات الأنباء! ولم يروا شخصا يكلمهم ، عرفوا أن الله عزوجل هو الذي سلط عليهم عدوهم ، بقتلهم النبي الذي بعث فيهم ، فقالوا : (يا وَيْلَنا إِنَّا كُنَّا ظالِمِينَ) وهذا اعتراف منهم بأنهم ظلموا ، حين لا ينفع الاعتراف.
وما زالوا يقولون : (يا وَيْلَنا إِنَّا كُنَّا ظالِمِينَ) حتى أصبحوا أثرا بعد عين ، وجثثا هامدة لا حراك فيها ، وتم استئصالهم ، وحصدوا بالسيوف كما يحصد الزرع بالمنجل ، وصاروا خامدين ميتين.
٣ ـ لما بيّن الله تعالى إهلاك أهل القرية لأجل تكذيبهم ، أتبعه بما يدل على أنه فعل ذلك عدلا منه ، ومجازاة على ما فعلوا ، وهو خلق السموات والأرض بالعدل والقسط : (ما خَلَقْناهُما إِلَّا بِالْحَقِ) [الدخان ٤٤ / ٣٩] فهو تعالى خلقها لفوائد دينية ودنيوية ، أما الدينية : فليتفكر المتفكرون فيها ، كما قال تعالى : (وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) [آل عمران ٣ / ١٩١] وأما الدنيوية : فلما يتعلق بها من المنافع التي لا تعدّ ولا تحصى.
وبما أن خلق السموات والأرض حق لا لعب فيه ، فإن المعجزات التي ظهرت على يد النبي صلىاللهعليهوسلم هي حق أيضا لا لعب فيها ، تقرر صحة نبوته ، وترد على منكريها.
٤ ـ إن خلق السموات والأرض للتنبيه على أن لها خالقا قادرا يجب امتثال أمره ، وأنه يجازي المسيء والمحسن ، وليس خلقها ليظلم بعض الناس بعضا ،