لا ينفعهم ذلك ، فقالوا : يا هلاكنا ، إنا ظلمنا أنفسنا بكفرنا بربنا. وهذا اعتراف صريح منهم بالكفر الموجب للعذاب.
(فَما زالَتْ تِلْكَ دَعْواهُمْ حَتَّى جَعَلْناهُمْ حَصِيداً خامِدِينَ) أي فما زالوا يرددون تلك المقالة ، وهي الاعتراف بالظلم ، حتى حصدناهم حصدا ، وخمدت حركاتهم ، وسكنت أصواتهم خمودا كالنار التي أصبحت خامدة لا حياة فيها. فقوله : (تِلْكَ) إشارة إلى قولهم: (يا وَيْلَنا ..) إلخ ؛ لأنها دعوى ، كأنه قيل : فما زالت تلك الدعوى دعواهم. والدعوى هنا بمعنى الدعوة أي المطلب ، قال تعالى : (وَآخِرُ دَعْواهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ) [يونس ١٠ / ١٠] وسميت دعوى ؛ لأنهم كانوا دعوا بالويل فقالوا : (يا وَيْلَنا) والمولول كأنه يدعو الويل ، فيقول : تعال يا ويل ، فهذا وقتك. والحصيد : الزرع المحصود ، أي جعلناهم مثل الحصيد ، تشبيها لهم به في استئصالهم ، كما تقول : جعلناهم رمادا ، أي مثل الرماد ، فهم يشبهون الحصيد والخمود.
وعقابهم هذا حق وعدل جزاء إنكار هم النبوة ، وجعلهم معجزات النبي عبثا ولعبا ، لذا أبان تعالى أنه ما خلق السماء والأرض وما بينهما إلا بالعدل فقال :
(وَما خَلَقْنَا السَّماءَ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما لاعِبِينَ) أي وما أوجدنا السموات والأرضين إلا بالحق ، أي بالعدل والقسط ، لا للهو واللعب ، فإنا خلقناها لفائدة دينية هي أن تكون دليلا على معرفة الخالق لها ، ولمنافع أخرى دنيوية وغيرها ، وليجزي الذين أساؤوا بما عملوا ، ويجزي الذين أحسنوا بالحسنى ، وأنه لم يخلق ذلك عبثا ولعبا.
ونظير الآية قوله تعالى : (وَما خَلَقْنَا السَّماءَ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما باطِلاً ، ذلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا ، فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنَ النَّارِ) [ص ٣٨ / ٢٧] ثم أكد تعالى نفي اللعب فقال :