الرسل ، وأوجدنا وأحدثنا بعد إهلاكهم قوما آخرين مكانهم ، كما قال تعالى في آية أخرى : (وَكَمْ أَهْلَكْنا مِنَ الْقُرُونِ مِنْ بَعْدِ نُوحٍ) [الإسراء ١٧ / ١٧] وقال تعالى : (فَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْناها ، وَهِيَ ظالِمَةٌ ، فَهِيَ خاوِيَةٌ عَلى عُرُوشِها) [الحج ٢٢ / ٤٥].
والمراد بالقرية : مدائن كانت باليمن ، وقال أهل التفسير والأخبار : إنه أراد أهل حضور ، وكان بعث إليهم نبي اسمه شعيب بن ذي مهدم ، وقبر شعيب هذا باليمن بجبل يقال له : ضنن كثير الثلج ، وليس بشعيب صاحب مدين ؛ لأن قصة «حضور» قبل زمن عيسى عليهالسلام ، وبعد مئات من السنين من زمن سليمان عليهالسلام ، لكنهم قتلوا نبيهم ، وكانت «حضور» بأرض الحجاز من ناحية الشام (١).
(فَلَمَّا أَحَسُّوا بَأْسَنا إِذا هُمْ مِنْها يَرْكُضُونَ) أي فلما تيقنوا أن العذاب واقع بهم لا محالة ، كما وعدهم نبيهم ، إذا هم يفرون هاربين منهزمين من قريتهم ، لما أدركتهم مقدمة العذاب.
(لا تَرْكُضُوا ، وَارْجِعُوا إِلى ما أُتْرِفْتُمْ فِيهِ ...) أي يقال لهم تهكما واستهزاء : لا تركضوا هاربين من نزول العذاب ، وارجعوا إلى ما كنتم فيه من النعمة التي أبطرتكم والسرور ، والمعيشة الرغيدة ، والمساكن الطيبة ، لعلكم تسألون عما كنتم فيه ، فتجيبوا السائل عن علم ومشاهدة ، أو يسألكم الناس : لماذا نزل هذا العذاب؟!
وقوله : (لَعَلَّكُمْ تُسْئَلُونَ) تهكم بهم وتوبيخ ، فأجابوا :
(قالُوا : يا وَيْلَنا ، إِنَّا كُنَّا ظالِمِينَ) أي إنهم اعترفوا بذنوبهم حين
__________________
(١) تفسير القرطبي : ١١ / ٢٧٤