فرأى بعض المالكية أن المشي أفضل ، لما فيه من المشقة على النفس ، ولحديث ابن ماجه في سننه عن أبي سعيد الخدري قال : حجّ النبي صلىاللهعليهوسلم وأصحابه مشاة من المدينة إلى مكة
، ولقول ابن عباس المتقدم.
وذهب جمهور الفقهاء منهم الإمام مالك إلى أن الركوب أفضل ، اقتداء بالنبي صلىاللهعليهوسلم ، ولكثرة النفقة ، ولتعظيم شعائر الحج بأهبة الركوب. وأما مجرد تقديم (رِجالاً) على الركبان فلا يدل على الأفضلية ، لأن العطف بالواو لا يقتضي الترتيب ، ولجواز أن يكون تقديم الرجال على الركبان ، للإشارة إلى مسارعة الناس في الامتثال ، حتى إن الماشي ليكاد يسبق الراكب.
وترفع الأيدي عند رؤية البيت الحرام في مذهب أحمد وجماعة ؛ لما روى ابن عباس رضياللهعنهما عن النبي صلىاللهعليهوسلم أنه قال : «ترفع الأيدي في سبعة مواطن : افتتاح الصلاة ، واستقبال البيت ، والصّفا والمروة ، والموقفين (١) ، والجمرتين».
٤ ـ دلّ قوله : (لِيَشْهَدُوا مَنافِعَ لَهُمْ) على جواز التجارة في الحج ؛ قال مجاهد : المنافع : التجارة وما يرضي الله من أمر الدنيا والآخرة. ونص الفقهاء على جواز التجارة للحجاج من غير كراهة إذا لم تكن هي المقصودة من السفر ، بدليل قوله تعالى : (لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلاً مِنْ رَبِّكُمْ) [البقرة ٢ / ١٩٨] والفضل : التجارة بلا خلاف.
وكلمة (مَنافِعَ) تدل على حكمة الحج ، وأنه شرع لما فيه من منافع عظيمة في الدين والدنيا ، فمناسك الحج من أعظم مظاهر الخشية والإخلاص لله في الذكر والدعاء والعبادة ، وهي تدل على التجرد من مفاتن الدنيا وزينتها ، وتبعث على عدم التعلق بشهواتها وزخارفها. كما أنها بواعث على الرحمة والإحسان ، والعدل
__________________
(١) موقف عرفات والمشعر الحرام.