التفسير والبيان :
(وَما أَرْسَلْناكَ ..) أي وما أرسلناك يا محمد بشريعة القرآن وهديه وأحكامه إلا لرحمة جميع العالم من الإنس والجن في الدنيا والآخرة ، فمن قبل هذه الرحمة ، وشكر هذه النعمة ، سعد في الدنيا والآخرة ، ومن ردّها وجحدها ، خسر الدنيا والآخرة. وقيل : كونه رحمة للكفار : أنهم أمنوا به من الخسف والمسخ وعذاب الاستئصال.
قال تعالى مبينا خسارة الجاحدين : (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللهِ كُفْراً ، وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دارَ الْبَوارِ ، جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَها وَبِئْسَ الْقَرارُ) [إبراهيم ١٤ / ٢٨ ـ ٢٩].
وقال سبحانه في صفة القرآن : (قُلْ : هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدىً وَشِفاءٌ ، وَالَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ فِي آذانِهِمْ وَقْرٌ ، وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى ، أُولئِكَ يُنادَوْنَ مِنْ مَكانٍ بَعِيدٍ) [فصلت ٤١ / ٤٤]. وقال صلىاللهعليهوسلم ـ فيما رواه مسلم عن أبي هريرة : «إني لم أبعث لعانا ، وإنما بعثت رحمة» ورواه الحاكم بلفظ : «إنما أنا رحمة مهداة».
ثم أمر الله رسوله أن يقول للمشركين بما يكون إعذارا وإنذارا في مجاهدتهم : (قُلْ : إِنَّما يُوحى إِلَيَّ أَنَّما إِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ فَهَلْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) أي قل يا محمد لمشركي مكة ولكل إنسان : ما يوحى إلي شيء في شأن الإله إلا أنه إله واحد لا شريك له ، فاعبدوه وحده ، وأسلموا له وانقادوا ، وأطيعوني واتبعوني على ذلك.
(فَإِنْ تَوَلَّوْا ، فَقُلْ : آذَنْتُكُمْ عَلى سَواءٍ) أي فإن أعرضوا وتركوا ما دعوتهم إليه ، فقل : أعلمتكم أني حرب لكم ، كما أنكم حرب لي ، وأنا بريء منكم ، كما أنتم برآء مني ، كقوله تعالى : (وَإِنْ كَذَّبُوكَ فَقُلْ : لِي عَمَلِي ، وَلَكُمْ عَمَلُكُمْ ، أَنْتُمْ بَرِيئُونَ مِمَّا أَعْمَلُ وَأَنَا بَرِيءٌ مِمَّا تَعْمَلُونَ) [يونس ١٠ / ٤١] ، وقوله سبحانه : (وَإِمَّا تَخافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيانَةً ، فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلى سَواءٍ) [الأنفال ٨ / ٥٨] أي ليكن