تعالى : (وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبائِثَ) فهو يقتضي تحريم كلّ الخبائث المستقذرة كالنّجاسات وهو أم الأرض ، ومثلما رواه البخاري ومسلم في صحيحهما عن جابر رضياللهعنه قال : «نهى رسول الله صلىاللهعليهوسلم يوم خيبر عن لحوم الحمر الأهلية» ، وما روياه عن أبي ثعلبة الخشني : «أن النّبي صلىاللهعليهوسلم نهى عن أكل كل ذي ناب من السّباع»، وفي رواية ابن عباس : «وأكل كل ذي مخلب من الطّير» ، وما روياه عن عائشة وحفصة وابن عمر من قوله صلىاللهعليهوسلم : «خمس فواسق من الدّواب كلّهن فاسق ، يقتلن في الحلّ والحرام : الغراب ، والحدأة ، والعقرب ، والفأر ، والكلب العقور» ، ففي الأمر بقتلهنّ دلالة على تحريم أكلهنّ ، لأن القتل إنما يكون بغير ذبح شرعي ، فثبت أنها غير مأكولة ، ولأن ما يؤكل لا ينهى عن قتله.
وخصّص الشافعية الآية أيضا بما روي عنه صلىاللهعليهوسلم أنه قال : «واستخبثته العرب ، فهو حرام» ، ومضمون رأيهم أن الحيوان الذي لم يرد فيه نص بخصوصه بالتّحليل أو التّحريم ، ولم يؤمر بقتله ، ولم ينه عن قتله ، فإن استطابته العرب ، فهو حلال ، وإن استخبثته العرب فهو حرام. ودليلهم قوله تعالى : (وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّباتِ ، وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبائِثَ) [الأعراف ٧ / ١٥٧] ، وقوله تعالى : (يَسْئَلُونَكَ ما ذا أُحِلَّ لَهُمْ ، قُلْ : أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّباتُ) [المائدة ٥ / ٤] ، قالوا : وليس المراد بالطّيب هنا : الحلال ؛ إذ لا معنى له ، لأن تقديره : أحلّ لكم الحلال ، وإنما المراد بالطّيّبات : ما يستطيبه العرب. والمراد بالخبائث : ما يستخبثونه ، ويراعى في ذلك عاداتهم العامة في الاستيطاب والاستخباث ، ولا ينظر إلى الأعراف الخاصة ؛ لأنه يؤدي إلى اختلاف الأحكام في الحلال والحرام.
واحتجّ كثير من السّلف بظاهر الآية ، فأباحوا ما عدا المذكور فيها ، فقد أخرج أبو داود عن ابن عمر رضياللهعنهما أنه سئل عن أكل القنفذ ، فقرأ الآية.