ومن تمام فضل الله ونعمته ورحمته أنه أنشأ لكم أيها الناس من الأنعام (وهي الإبل والبقر والغنم) كبارا صالحة للحمل ، وصغارا كالفصلان ، والغنم والمعز ، هي كالفرش المفروش عليها ، تفرش على الأرض للذّبح ، ويتّخذ من شعرها ووبرها الفرش واللباس. وهذا مثل قوله تعالى : (أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا خَلَقْنا لَهُمْ مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينا أَنْعاماً فَهُمْ لَها مالِكُونَ. وَذَلَّلْناها لَهُمْ ، فَمِنْها رَكُوبُهُمْ ، وَمِنْها يَأْكُلُونَ) [يس ٣٦ / ٧١ ـ ٧٢] ، وقوله : (وَإِنَّ لَكُمْ فِي الْأَنْعامِ لَعِبْرَةً ، نُسْقِيكُمْ مِمَّا فِي بُطُونِهِ مِنْ بَيْنِ فَرْثٍ وَدَمٍ لَبَناً خالِصاً سائِغاً لِلشَّارِبِينَ) [النحل ١٦ / ٦٦].
ثم كرر الله تعالى إباحة الأكل من الأنعام كإباحته من الزّرع ، فقال : (كُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللهُ) أي كلوا من هذه الأنعام ، كما تأكلون من الثمار والزّروع ، فكلها خلقها الله ، وجعلها رزقا لكم ، وانتفعوا بها بسائر أنواع الانتفاع المباحة شرعا.
ولا تتبعوا خطوات الشّيطان ، أي طريقه وأوامره ، كما اتّبعها المشركون الذين حرّموا ما رزقهم الله من الثّمار والزّروع والأنعام ، افتراء على الله ، وإيّاكم أن تحرّموا ما لم يحرّمه الله عليكم ، فذلك إغواء من الشّيطان ، والله قد أباحها لكم ، والله مصدر التّشريع والتّحريم والتّحليل ؛ لأنه هو الخالق المبدع لجميع الكائنات ، وهو المتصرّف فيها ، فليس لغيره أن يحرّم أو يحلّل برأيه.
إن الشّيطان لكم أيها الناس عدوّ مبين ، أي بيّن ظاهر العداوة ، لا يأمر إلا بالسّوء والفحشاء والمنكر ، كما قال تعالى : (إِنَّ الشَّيْطانَ لَكُمْ عَدُوٌّ ، فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا ، إِنَّما يَدْعُوا حِزْبَهُ ، لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحابِ السَّعِيرِ) [فاطر ٣٥ / ٦] ، وقال : (إِنَّما يَأْمُرُكُمْ بِالسُّوءِ وَالْفَحْشاءِ ، وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللهِ ما لا تَعْلَمُونَ) [البقرة ٢ / ١٦٩].
والأنعام التي هي حمولة وفرش ثمانية أصناف ، فإنّ الحمولة : إما إبل وإما بقر ، والفرش : إما ضأن وإما معز ، وكلّ قسم من هذه الأربعة : إما ذكر وإما