وعداوتكم لي ، فإني ثابت على الإسلام وعلى مصابرتكم (١).
فسوف تعلمون أينا تكون له العاقبة المحمودة ، أنحن أم أنتم؟ وعاقبة الدار : العاقبة الحسنى التي خلق الله تعالى هذه الدار لها.
وهذا ـ كما قال الزمخشري ـ طريق من الإنذار ، لطيف المسلك ، فيه إنصاف في المقال ، وأدب حسن ، مع تضمن شدة الوعيد ، والوثوق بأن المنذر محق ، والمنذر مبطل. وهو على طريقة قوله : (اعْمَلُوا ما شِئْتُمْ) [فصلت ٤١ / ٤٠] وقوله : (وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلى هُدىً أَوْ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ) [سبأ ٣٤ / ٢٤].
وهو دليل على أن أحوال الأمم مرتبة بحسب أعمالها ، وأن عاقبة كل عمل نتيجة حتمية له ، إن خيرا فخير ، وإن شرا فشر.
إنه لا يفلح الظالمون أي لا يسعد ولا ينجح الظالمون أنفسهم بالكفر بنعم الله ، واتخاذ الشركاء له في ألوهيته ، وذلك مثل قوله تعالى : (فَأَوْحى إِلَيْهِمْ رَبُّهُمْ لَنُهْلِكَنَّ الظَّالِمِينَ ، وَلَنُسْكِنَنَّكُمُ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِهِمْ) [إبراهيم ١٤ / ١٤].
ومما نحمد الله عليه أن أنجز الله موعده لرسوله ، فمكّنه في البلاد ، ونصره على مشركي العرب ، ودانت له الجزيرة العربية واليمن والبحرين في حياته ، ثم فتحت الأمصار والأقاليم بعد وفاته في أيام خلفائه ، وانتشر الإسلام في المشارق والمغارب ، وتعاقبت دول الإسلام قوية عزيزة منيعة عدة قرون من الزمان ، كما قال تعالى : (كَتَبَ اللهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي ، إِنَّ اللهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ) [المجادلة ٥٨ / ٢١] وقال : (إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَياةِ الدُّنْيا ، وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهادُ ، يَوْمَ لا يَنْفَعُ الظَّالِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ ، وَلَهُمُ اللَّعْنَةُ ، وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ) [غافر ٤٠ / ٥١ ـ ٥٢].
__________________
(١) الكشاف : ١ / ٥٢٩