إن يشأ يذهبكم أيها الكافرون المعاندون كأهل مكة ، كما أهلك من عاند الرسل كعاد وثمود ، ويأت بخلق جديد غيركم أفضل منكم وأطوع ، فهو قادر على أن يستخلف من بعدكم ما يشاء من الأقوام ، كما قدر على إنشائكم من ذرية قوم آخرين ، أي أنه قادر على الإهلاك والإنشاء معا ، وقد حق ذلك ، فأهلك زعماء الشرك المعاندين ، واستخلف من بعدهم قوما آخرين وهم المهاجرون والأنصار وأتباعهم الذين كانوا مظهر رحمة الله للبشر في سلمهم وحربهم ، حتى قال غوستاب لوبون : «ما عرف التاريخ فاتحا أعدل ولا أرحم من العرب».
وبعد أن وجه لهم هذا الإنذار بالإهلاك في الدنيا ، أتبعه إنذارا آخر في الآخرة ، فقال: (إِنَّ ما تُوعَدُونَ لَآتٍ ..) أي أخبرهم يا محمد أن الذي توعدون به من الجزاء الأخروي كائن لا محالة ، وما أنتم بمعجزين ، أي لا تعجزون بهرب ولا امتناع مما يريد ، فهو القادر على إعادتكم ، وإن صرتم ترابا رفاتا وعظاما ، وهو القاهر فوق عباده. روى ابن أبي حاتم عن أبي سعيد الخدري رضياللهعنه عن النّبي صلىاللهعليهوسلم أنه قال : «يا بني آدم إن كنتم تعقلون ، فعدّوا أنفسكم من الموتى ، والذي نفسي بيده ، إنما توعدون لآت ، وما أنتم بمعجزين».
ثم أردف الله تعالى ذلك بتهديد آخر شديد ووعيد أكيد فقال : (قُلْ : يا قَوْمِ ، اعْمَلُوا ...) أي أخبرهم يا محمد بقولك : استمروا على طريقتكم وحالتكم التي أنتم عليها إن كنتم تظنون أنكم على هدى ، فأنا مستمر على طريقتي ومنهجي ، كقوله تعالى : (وَقُلْ لِلَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ : اعْمَلُوا عَلى مَكانَتِكُمْ ، إِنَّا عامِلُونَ ، وَانْتَظِرُوا إِنَّا مُنْتَظِرُونَ) [هود ١١ / ١٢١ ـ ١٢٢].
قال الزمخشري في قوله : (اعْمَلُوا عَلى مَكانَتِكُمْ) : يحتمل وجهين : اعملوا على تمكنكم من أمركم ، وأقصى استطاعتكم ، وإمكانكم ؛ أو اعملوا على جهتكم وحالكم التي أنتم عليها ، إني عامل على مكانتي التي أنا عليها ، والمعنى : اثبتوا على كفركم