لغير الله ، وتحريم ما لم يحرمه الله ، وتحليل ما حرمه.
وقال ابن كثير : حسّن لهم ما كانوا فيه من الجهالة والضلالة ، قدرا من الله وحكمة بالغة ، لا إله إلا الله وحده لا شريك له. وأورد حديثا في المقارنة المتقدمة بين المؤمن والكافر ، رواه الإمام أحمد في مسنده عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم أنه قال : «إن الله خلق خلقه في ظلمة ، ثم رشّ عليهم من نوره ، فمن أصابه ذلك النور ، اهتدى ، ومن أخطأه ضلّ» (١).
ثم أورد الله تعالى ما يدلّ على سنته الثابتة في البشر ، فقال : (وَكَذلِكَ جَعَلْنا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ ..) أي وكما أن أعمال أهل مكة مزينة لهم ، وجعلهم الله أكابرها مع أنهم فسّاقها ، كذلك جعلنا في كل قرية أكابر مجرميها رؤساءها ودعاتها إلى الكفر والصدّ عن سبيل الله ، ليمكروا فيها بالصدّ عن سبيل الله ؛ لأنهم أقدر على المكر والخداع وترويج الباطل بين الناس بحكم نفوذهم وسيادتهم وسيطرتهم.
وهكذا سنة الله في المجتمعات البشرية ، يثور النزاع بين الحق والباطل ، ويشتد الصراع بين الإيمان والكفر ، ولكل اتجاه أعوانه وأنصاره ، وسادته وكبراؤه ، والأنبياء وأتباعهم من المصلحين يوجدون في هذا الوسط المتصارع ، فيتبعهم الضعفاء ، ويكفر بهم الأشراف ، وينصرهم الأوساط ، ويقاوم دعوتهم الأكابر المجرمون الذي يعادون حركة الإصلاح والتقدم ، والبناء والتحضر ، في كل بيئة ومجتمع.
ولكن العاقبة والنصر للمتقين المصلحين ، والهزيمة أو الانقراض والخذلان للكافرين المفسدين ، وما يمكر هؤلاء الأكابر المجرمون المعادون للرسل إلا بأنفسهم ؛ لأن وبال مكرهم عليهم ، وعاقبة إفسادهم تلحق بهم ، لكنهم عديمو النظر للمستقبل والواقع ، والاعتبار بالماضي ، وعديمو الشعور والإحساس ،
__________________
(١) تفسير ابن كثير : ٢ / ١٧٢