ذلك عهودهم ومواثيقهم ، قام صالح عليهالسلام إلى صلاته ، ودعا الله عزوجل ، فتحركت تلك الصخرة ، ثم انصدعت عن ناقة جوفاء وبراء يتحرك جنينها بين جنبيها ، كما سألوا ، والله على كل شيء قدير.
فآمن عندئذ رئيسهم جندع بن عمرو ومن كان معه على أمره ، وأراد بقية أشراف ثمود أن يؤمنوا ، فصدهم ذؤاب بن عمرو بن لبيد ، والحباب صاحب أوثانهم ، ورباب بن صعر بن جلهس.
وأقامت الناقة وفصيلها بعد ما وضعته بين أظهرهم مدة تشرب من بئرها يوما ، وتدعه لهم يوما ، وكانوا يشربون لبنها يوم شربها ، يحتلبون ، فيملئون ما شاؤوا من أوعيتهم وأوانيهم (١) ، كما قال في الآية الأخرى : (وَنَبِّئْهُمْ أَنَّ الْماءَ قِسْمَةٌ بَيْنَهُمْ كُلُّ شِرْبٍ مُحْتَضَرٌ) [القمر ٥٤ / ٢٨] وقال أيضا : (هذِهِ ناقَةٌ ، لَها شِرْبٌ ، وَلَكُمْ شِرْبُ يَوْمٍ مَعْلُومٍ) الشعراء ٢٦ / ١٥٥] قال ابن عباس : كانوا يستعيضون عن الماء يوم شربها بلبنها.
قال لهم : (هذِهِ ناقَةُ اللهِ لَكُمْ آيَةً) أي أنها دليل قاطع على صدق نبوتي ، وأضاف الناقة إلى الله للتشريف والتكريم وتعظيم شأنها ؛ لأنها جاءت من عنده مكونة من غير أم ولا أب ، بل من صخرة عظيمة.
ثم أمرهم أن يتركوها تأكل في أرض الله ما شاءت ، وألا يتعرضوا لها بسوء في نفسها ولا في أكلها ، فإنكم إن فعلتم ذلك أصابكم عذاب أليم.
ثم ذكّرهم بنعم الله عليهم وبوجوب شكرها وعبادته تعالى فقال : (وَاذْكُرُوا ...) أي تذكروا نعم الله وأفضاله وإحسانه عليكم ، إذ جعلكم خلفاء لعاد في الحضارة والعمران وقوة البأس ، وأورثكم أرضهم وديارهم ، وأسكنكم منازلهم ، تتخذون من سهولها قصورا عالية ، بما ألهمكم من حذق الصناعة
__________________
(١) تفسير الكشاف : ١ / ٥٥٥ ـ ٥٥٦ ، تفسير ابن كثير : ٢ / ٢٢٨