وصف ، وتترك معرفة الحقيقة إلى الله ، وهذا ما قرره الإمام مالك ومن قبله شيخة ربيعة ، فقال : الاستواء معلوم (أي في اللغة) والكيف (أي كيفية الاستواء) مجهول ، والسؤال عن هذا بدعة. وهذا القدر كاف في الموضوع.
وقال الحافظ ابن كثير : مذهب السلف الصالح : مالك والأوزاعي والثوري والليث بن سعد والشافعي وأحمد وإسحاق بن راهويه وغيرهم من أئمة المسلمين قديما وحديثا ، هو إمرارها كما جاءت من غير تكييف ولا تشبيه ولا تعطيل. والظاهر المتبادر إلى أذهان المشبّهين منفي عن الله ، فإن الله لا يشبهه شيء من خلقه ، و (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ) [الشورى ٤٢ / ١١].
بل الأمر كما قال الأئمة ، منهم نعيم بن حمّاد شيخ البخاري قال : من شبّه الله بخلقه كفر ، ومن جحد ما وصف الله به نفسه ، فقد كفر ، وليس فيما وصف الله به نفسه ولا رسوله تشبيه ، فمن أثبت لله تعالى ما وردت به الآيات الصريحة والأخبار الصحيحة ، على الوجه الذي يليق بجلال الله ، ونفى عن الله تعالى النقائص ، فقد سلك سبيل الهدى(١).
وأما الخلف فيتأولون ويقولون : استوى على عرشه بعد تكوين خلقه ، بمعنى أنه يدبر أمره ، ويصرّف نظامه ، على حسب تقديره وحكمته ، كما قال : (إِنَّ رَبَّكُمُ اللهُ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ، ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ ، يُدَبِّرُ الْأَمْرَ) [يونس ١٠ / ٣].
ثم بيّن الله تعالى بعض مظاهر تدبيره الكون فقال : (يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهارَ ...) أي أنه تعالى يلحق الليل بالنهار ، أو النهار بالليل ، يحتملهما جميعا على التعاقب ، ويذهب ظلام الليل بضياء النهار ، وضياء النهار بظلام الليل ، وكل منهما يطلب الآخر طلبا حثيثا ، أي سريعا لا يتأخر عنه ، بل إذا ذهب هذا
__________________
(١) تفسير ابن كثير : ٢ / ٢٢٠