بهم سيئاتهم عن الجنة ، وتجاوزت بهم حسناتهم النار ، وقفوا هناك حتى يقضى الله فيهم. روى الحافظ أبو بكر بن مردويه عن جابر بن عبد الله قال : سئل رسول الله صلىاللهعليهوسلم عمن استوت حسناته وسيئاته فقال : «أولئك أصحاب الأعراف ، لم يدخلوها وهم يطمعون».
وأخرج أبو الشيخ ابن حيان الأنصاري والبيهقي وغيرهما عن حذيفة قال : «هم قوم تجاوزت بهم حسناتهم النار ، وقعدت بهم سيئاتهم عن الجنة ، جعلوا هناك حتى يقضى بين الناس ، فبينما هم كذلك ، إذ طلع عليهم ربك فقال لهم : اذهبوا فادخلوا الجنة ، فإني قد غفرت لكم».
(وَنادَوْا أَصْحابَ الْجَنَّةِ ...) أي ونادى أصحاب الأعراف أهل الجنة قائلين لهم : سلام عليكم ، وهو تحية خالصة بعد دخول الجنة ؛ لقوله تعالى : (لا يَسْمَعُونَ فِيها لَغْواً وَلا تَأْثِيماً ، إِلَّا قِيلاً : سَلاماً سَلاماً) [الواقعة ٥٦ / ٢٥ ـ ٢٦].
نادوهم مسلّمين عليهم ، حال كونهم لم يدخلوا الجنة ، ولكنهم يطمعون في دخولها ، لما بدا لهم من يسر الحساب ، ولعلهم بسعة رحمة الله وفضله. تلا الحسن البصري هذه الآية: (لَمْ يَدْخُلُوها وَهُمْ يَطْمَعُونَ) فقال : والله ما جعل ذلك الطمع في قلوبهم إلا لكرامة يريدها بهم. والناس في ذلك الموقف يكونون بين الرجاء والخوف ، روى أبو نعيم عن عمر بن الخطاب رضياللهعنه أنه قال : لو نادى مناد : يا أهل الموقف ، ادخلوا النار إلا رجلا واحدا ، لرجوت أن أكون ذلك الرجل ، ولو نادى : ادخلوا الجنة إلا رجلا واحدا ، لخشيت أن أكون ذلك الرجل.
وإذا حولت أبصار أهل الأعراف نحو أهل النار من غير قصد ، فرأوا وجوههم مسودة ، وأعينهم مزرقة ، قالوا متضرعين إلى الله تعالى : ربنا لا تجعلنا مع هؤلاء القوم الظالمين أنفسهم.