ليس لي أن أطلب قاضيا بيني وبينكم ؛ لأنه لا حكم أعدل من حكم الله ، ولا قائل أصدق من قوله ، وهو الذي أنزل إليكم القرآن مبيّنا فيه حكم كلّ شيء ، من العقائد والشّرائع والآداب ، وقد جاوزت سنّ الأربعين ، ولم يصدر عنّي مثله في العلوم والمعارف ، والأخبار الماضية والمستقبلة ، ولا في الفصاحة والبلاغة ، كما قال تعالى : (فَقَدْ لَبِثْتُ فِيكُمْ عُمُراً مِنْ قَبْلِهِ) [يونس ١٠ / ١٦] ، أي : أفغير الله أطلب لكم حاكما ، وهو الذي كفاكم مؤنة المسألة ، في الآيات ، بما أنزله إليكم من الكتاب المفصّل ، أي المبين.
وبعبارة أخرى : لا فائدة من طلبكم دليلا على صدق نبوّتي ، فهناك دليلان واضحان يؤيّدان رسالتي ، وهما الآية الكبرى وهي القرآن المعجز الدّال بإعجازه على أنّه كلام الله ، واشتمال التّوراة والإنجيل على ما يدلّ على أنّي رسول الله حقّا وأنّ القرآن كتاب حقّ من عند الله تعالى.
وإن أنكر هؤلاء المشركون أحقيّة القرآن وكذّبوا به ، فإن اليهود والنصارى أهل الكتاب يعلمون أنه منزّل من ربّك بالحقّ ، بما ورد عندهم من البشارات بك ، على لسان الأنبياء المتقدّمين ، كما قال تعالى : (الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يَعْرِفُونَهُ كَما يَعْرِفُونَ أَبْناءَهُمْ ، وَإِنَّ فَرِيقاً مِنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ ، وَهُمْ يَعْلَمُونَ) [البقرة ٢ / ١٤٦].
فلا تكونن يا محمد من المترددين الشّاكين ، وهذا على أسلوب التّهييج والإلهاب ، أو على طريق التّعريض ، كقوله تعالى : (وَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ) [يونس ١٠ / ١٠٥] ، وقوله : (فَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ مِمَّا أَنْزَلْنا إِلَيْكَ ، فَسْئَلِ الَّذِينَ يَقْرَؤُنَ الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكَ ، لَقَدْ جاءَكَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ ، فَلا تَكُونَنَّ مِنَ المُمْتَرِينَ) [يونس ١٠ / ٩٤].
وليس هذا النّهي مؤذنا بوقوع الشّك من النّبي صلىاللهعليهوسلم ؛ لأنه شرط ، والشّرط