ذلك للعبد ، وكأنّه جعل الخطاب هنا للأحرار بالقرينة وبقرينة آية النساء [٢٥](وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلاً أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَناتِ الْمُؤْمِناتِ) وهو تفسير بيّن ملتئم. وأصل ذلك لعمر بن الخطاب ومجاهد. ومن العلماء من فسّر المحصنات هنا بالعفائف ، ونقل عن الشعبي وغيره ، فمنعوا تزوّج غير العفيفة من النساء لرقّة دينها وسوء خلقها.
وكذلك القول في تفسير قوله : (وَالْمُحْصَناتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ) أي الحرائر عند مالك ، ولذلك منع نكاح إماء أهل الكتاب مطلقا للحرّ والعبد. والذين فسّروا المحصنات بالعفائف منعوا هنا ما منعوا هناك.
وشمل أهل الكتاب : الذمّيّين ، والمعاهدين ، وأهل الحرب ، وهو ظاهر ، إلّا أنّ مالكا كره نكاح النساء الحربيّات ، وعن ابن عبّاس : تخصيص الآية بغير نساء أهل الحرب ، فمنع نكاح الحربيات. ولم يذكروا دليله.
والأجور : المهور ، وسمّيت هنا (أجورا) مجازا في معنى الأعواض عن المنافع الحاصلة من آثار عقدة النكاح ، على وجه الاستعارة أو المجاز المرسل. والمهر شعار متقادم في البشر للتفرقة بين النكاح وبين المخادنة. ولو كانت المهور أجورا حقيقة لوجب تحديد مدّة الانتفاع ومقداره وذلك ممّا تنزّه عنه عقدة النكاح.
والقول في قوله : (مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسافِحِينَ وَلا مُتَّخِذِي أَخْدانٍ) كالقول في نظيره (مُحْصَناتٍ غَيْرَ مُسافِحاتٍ) [النساء : ٢٥] تقدّم في هذه السورة.
وجملة (وَمَنْ يَكْفُرْ بِالْإِيمانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ) معترضة بين الجمل. والمقصود التنبيه على أنّ إباحة تزوّج نساء أهل الكتاب لا يقتضي تزكية لحالهم ، ولكن ذلك تيسير على المسلمين. وقد ذكر في سبب نزولها أنّ نساء أهل الكتاب قلن «لو لا أنّ الله رضي ديننا لم يبح لكم نكاحنا». والمراد بالإيمان الإيمان المعهود وهو إيمان المسلمين الذي بسببه لقّبوا بالمؤمنين ، فالكفر هنا الكفر بالرسل ، أي : ينكر الإيمان ، أي ينكر ما يقتضيه الإيمان من المعتقدات ، إذ الإيمان صار لقبا لمجموع ما يجب التصديق به.
والحبط ـ بسكون الموحّدة ـ والحبوط : فساد شيء كان صالحا ، ومنه سمّي الحبط ـ بفتحتين ـ مرض يصيب الإبل من جرّاء أكل الخضر في أوّل الربيع فتنتفخ أمعاؤها وربما ماتت. وفعل (حبط) يؤذن بأنّ الحابط كان صالحا فانقلب إلى فساد. والمراد من الفساد هنا الضياع والبطلان ، وهو أشدّ الفساد ، فدلّ فعل (حبط) على أنّ الأعمال صالحة ،