للرّسول صلىاللهعليهوسلم بعد منازلهم ومنابذة اليهود لهم فنزلت (إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ) ثمّ إنّ الرسول خرج إلى المسجد فبصر بسائل ، فقال له : هل أعطاك أحد شيئا ، فقال : نعم خاتم فضّة أعطانيه ذلك القائم يصلّي ، وأشار إلى عليّ ، فكبّر النّبيء صلىاللهعليهوسلم ، ونزلت هذه الآية ، فتلاها رسول الله. وقيل : نزلت في أبي بكر الصديق. وقيل : نزلت في المهاجرين والأنصار.
وقوله : (فَإِنَّ حِزْبَ اللهِ هُمُ الْغالِبُونَ) دليل على جواب الشرط بذكر علّة الجواب كأنّه قيل : فهم الغالبون لأنّهم حزب الله.
[٥٧ ، ٥٨] (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَكُمْ هُزُواً وَلَعِباً مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَالْكُفَّارَ أَوْلِياءَ وَاتَّقُوا اللهَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (٥٧) وَإِذا نادَيْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ اتَّخَذُوها هُزُواً وَلَعِباً ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَعْقِلُونَ (٥٨))
استئناف هو تأكيد لبعض مضمون الكلام الّذي قبله ، فإنّ قوله : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصارى أَوْلِياءَ) [المائدة : ٥١] تحذير من موالاة أهل الكتاب ليظهر تميّز المسلمين. وهذه الآية تحذير من موالاة اليهود والمشركين الّذين بالمدينة ، ولا مدخل للنصارى فيها ، إذ لم يكن في المدينة نصارى فيهزءوا بالدّين. وقد عدل عن لفظ اليهود إلى الموصول والصلة وهي (الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَكُمْ هُزُواً) إلخ لما في الصلة من الإيمان إلى تعليل موجب النّهي.
والدّين هو ما عليه المرء من عقائد وأعمال ناشئة عن العقيدة ، فهو عنوان عقل المتديّن وروائد آماله وباعث أعماله ، فالذي يتخذ دين امرئ هزؤا فقد اتّخذ ذلك المتديّن هزؤا ورمقه بعين الاحتقار ، إذ عدّ أعظم شيء عنده سخرية ، فما دون ذلك أولى. والّذي يرمق بهذا الاعتبار ليس جديرا بالموالاة ، لأنّ شرط الموالاة التماثل في التّفكير ، ولأنّ الاستهزاء والاستخفاف احتقار ، والمودّة تستدعي تعظيم الودود.
وأريد بالكفار في قوله : (وَالْكُفَّارَ) المشركون ، وهذا اصطلاح القرآن في إطلاق لفظ الكفّار ، والمراد بذلك المشركون من أهل المدينة الّذين أظهروا الإسلام نفاقا مثل رفاعة بن زيد ، وسويد بن الحارث ، فقد كان بعض المسلمين يوادّهما اغترارا بظاهر حالهما. روي عن ابن عبّاس : أنّ قوما من اليهود والمشركين ضحكوا من المسلمين وقت سجودهم. وقال الكلبي : كانوا إذا نادى منادي رسول الله قالوا : صياح مثل صياح العير ،