السّلام ـ وحكم بأنّه يقتل ، ومثل المجمع الملكاني الّذي سجّل عقيدة التثليث.
وقوله (مِنْ قَبْلُ) معناه من قبلكم. وقد كثر في كلام العرب حذف ما تضاف إليه قبل وبعد وغير وحسب ودون ، وأسماء الجهات ، وكثر أن تكون هذه الأسماء مبنيّة على الضمّ حينئذ ، ويندر أن تكون معربة إلّا إذا نكّرت. وقد وجّه النحويّون حالة إعراب هذه الأسماء إذا لم تنكّر بأنّها على تقدير لفظ المضاف إليه تفرقة بين حالة بنائها الغالبة وحالة إعرابها النّادرة ، وهو كشف لسر لطيف من أسرار اللّغة.
وقوله : (وَضَلُّوا عَنْ سَواءِ السَّبِيلِ) مقابل لقوله : (قَدْ ضَلُّوا مِنْ قَبْلُ) فهذا ضلال آخر ، فتعيّن أنّ سواء السّبيل الذي ضلّوا عنه هو الإسلام. والسواء المستقيم ، وقد استعير للحقّ الواضح ، أي قد ضلّوا في دينهم من قبل مجيء الإسلام وضلّوا بعد ذلك عن الإسلام.
وقيل : الخطاب بقوله : (يا أَهْلَ الْكِتابِ) للنّصارى خاصّة ، لأنّه ورد عقب مجادلة النّصارى وأنّ المراد بالغلوّ التّثليث ، وأنّ المراد بالقوم الّذين ضلّوا من قبل هم اليهود.
ومعنى النّهي عن متابعة أهوائهم النّهي عن الإتيان بمثل ما أتوا به بحيث إذا تأمّل المخاطبون وجدوا أنفسهم قد اتّبعوهم وإن لم يكونوا قاصدين متابعتهم ؛ فيكون الكلام تنفيرا للنّصارى من سلوكهم في دينهم المماثل لسلوك اليهود ، لأنّ النّصارى يبغضون اليهود ويعرفون أنّهم على ضلال.
[٧٨ ، ٧٩] (لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرائِيلَ عَلى لِسانِ داوُدَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذلِكَ بِما عَصَوْا وَكانُوا يَعْتَدُونَ (٧٨) كانُوا لا يَتَناهَوْنَ عَنْ مُنكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ ما كانُوا يَفْعَلُونَ (٧٩))
جملة (لُعِنَ) مستأنفة استئنافا ابتدائيا فيها تخلّص بديع لتخصيص اليهود بالإنحاء عليهم دون النّصارى. وهي خبريّة مناسبة لجملة (قَدْ ضَلُّوا مِنْ قَبْلُ) [المائدة : ٧٧] ، تتنزّل منها منزلة الدّليل ، لأنّ فيها استدلالا على اليهود بما في كتبهم وبما في كتب النّصارى. والمقصود إثبات أنّ الضّلال مستمرّ فيهم فإنّ ما بين داود وعيسى أكثر من ألف سنة.
و (عَلى) في قوله : (عَلى لِسانِ داوُدَ) للاستعلاء المجازي المستعمل في تمكّن الملابسة ، فهي استعارة تبعيّة لمعنى باء الملابسة مثل قوله تعالى : (أُولئِكَ عَلى هُدىً مِنْ رَبِّهِمْ) [البقرة : ٥] ، قصد منها المبالغة في الملابسة ، أي لعنوا بلسان داود ، أي بكلامه