وبين نحو الخنق لحبس النفس ، ورضّ الرأس وقول ابن العربي شذوذ.
وقوله : (وَطَعامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ) لم يعرّج المفسّرون على بيان المناسبة بذكر (وَطَعامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ). والذي أراه أنّ الله تعالى نبّهنا بهذا إلى التيسير في مخالطتهم ، فأباح لنا طعامهم ، وأباح لنا أن نطعمهم طعامنا ، فعلم من هذين الحكمين أنّ علّة الرخصة في تناولنا طعامهم هو الحاجة إلى مخالطتهم ، وذلك أيضا تمهيد لقوله بعد : (وَالْمُحْصَناتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ) لأنّ ذلك يقتضي شدّة المخالطة معهم لتزوّج نسائهم والمصاهرة معهم.
(وَالْمُحْصَناتُ مِنَ الْمُؤْمِناتِ وَالْمُحْصَناتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ إِذا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسافِحِينَ وَلا مُتَّخِذِي أَخْدانٍ وَمَنْ يَكْفُرْ بِالْإِيمانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخاسِرِينَ).
عطف (وَالْمُحْصَناتُ مِنَ الْمُؤْمِناتِ) على (وَطَعامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ حِلٌّ لَكُمْ) عطف المفرد على المفرد. ولم يعرّج المفسّرون على بيان المناسبة لذكر حلّ المحصنات من المؤمنات في أثناء إباحة طعام أهل الكتاب ، وإباحة تزوّج نسائهم. وعندي : أنّه إيماء إلى أنّهنّ أولى بالمؤمنين من محصنات أهل الكتاب ، والمقصود هو حكم المحصنات من الذين أوتوا الكتاب فإنّ هذه الآية جاءت لإباحة التزوّج بالكتابيات. فقوله : (وَالْمُحْصَناتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ) عطف على (وَطَعامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ حِلٌّ لَكُمْ). فالتقدير : والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب حلّ لكم.
والمحصنات : النسوة اللاء أحصنهنّ ما أحصنهنّ ، أي منعهنّ عن الخنا أو عن الريب ، فأطلق الإحصان : على المعصومات بعصمة الأزواج كما في قوله تعالى في سورة النساء [٢٤] عطفا على المحرّمات (الْمُحْصَناتُ مِنَ النِّساءِ) ؛ وعلى المسلمات لأنّ الإسلام وزعهن عن الخنا ، قال الشاعر :
ويصدّهن عن الخنا الإسلام
وأطلق على الحرائر ، لأنّ الحرائر يترفّعن عن الخنا من عهد الجاهلية. ولا يصلح من هذه المعاني هنا الأوّل ، إذ لا يحلّ تزوّج ذات الزوج ، ولا الثاني لقوله : (مِنَ الْمُؤْمِناتِ) الذي هو ظاهر في أنّهنّ بعض المؤمنات فتعيّن معنى الحرية ، ففسّرها مالك بالحرائر ، ولذلك منع نكاح الحرّ الأمة إلّا إذا خشي العنت ولم يجد للحرائر طولا ، وجوّز