ومن يميل أمال السيف ذروته حيث |
|
التقى من حفافى رأسه الشّعر (١) |
وتقول : آتي من يأتيني ، وأقول ما تقول ، وأعطيك أيّها تشاء ؛ هذا وجه الكلام وأحسنه ، وذلك أنه قبح أن يؤخّر حرف الجزاء ، إذا جزم ما بعده ؛ فلما قبح ذلك حملوه على (الذي) ، ولو جزموه هاهنا لحسن أن تقول : آتيك إن تأتني ؛ وإذا قلت : آتي من أتاني ، فأنت بالخيار ، إن شئت كانت (أتاني) صلة ، وإن شئت كانت بمنزلتها في (إن).
فقد يجوز في الشعر : آتي من يأتني ، وقال الهذلي :
فقلت تحمّل فوق طوقك إنّها |
|
مطيّعة من يأتها لا يضيرها (٢) |
هكذا أنشدناه يونس كأنه قال : لا يضيرها من يأتها ، كما كان : وإني متى أشرف ناظر ـ على القلب ـ ولو أريد به حذف (الفاء) جاز ، فجعلت ك (إن).
وإذا قلت : أقول مهما تقل ، وأكون حيثما تكن ، وأكون أين تكن ، وآتيك متى تأتني ، وتلتبس بها أنى تأتها ، لم يجز إلا في الشعر ، وكان جزما ، من قبل أنهم لم يجعلوا هذه الحروف بمنزلة ما يكون محتاجا إلى الصلة حتى تكمل اسما ، ألا ترى أنه لا يقال : لها تصنع قبيح ، ولا في الكتاب مهما تقول ، إذا أراد أن يجعل القول وصلا ، فهذه الحروف بمنزلة (إن) ، لا يكون الفعل صلة لها ، فعلى هذا فأجز ذا الباب.
قال أبو سعيد : هذه الأسماء التي يجازى بها المذكورة في هذا الباب ، إنما يجازى بها إذا كانت مبتدأة في اللفظ ، غير واقع عليها عامل خافض ولا غيره.
وهذه الأسماء إن جرت مجرى (إن) في كونها صدورا ، إذا جوزي بها فإنها تدخلها الأشياء الخافضة إذا كانت في صلة ما بعدها ، أو كانت مبتدأة ، وذلك للضرورة المؤدية إلى ذلك فيها دون أن تقول : بمن تمرر أمرر به ، وعلى أيهم تنزل أنزل عليه ، وفيما تزهد أزهد فيه ؛ فالباء في صلة (تمرّ) الذي هو شرط ، وفي موضع نصب بها ؛ و (على) في صلة (تنزل) وهي في موضع نصب بها ؛ و (من) و (ما) و (أيّهم) قد تضمنت الأسماء ، وحرف الجزاء ، والأفعال التي بعدهن أفعال تتعدى بحروف الجر ؛ وحروف الجر لا تكون إلا قبل الأسماء ، متصلّا بها ، فقادت الضرورة إلى تقديمها لذلك وتأخير الأفعال العاملة فيها ؛ لأن الفعل قد يجوز أن يعمل النصب فيما قبلها ، فلم تكن بنا ضرورة إلى تقديم فعل الشرط
__________________
(١) البيت في ديوانه ١ / ٢٠٠ ، الكتاب ٣ / ٧٠.
(٢) البيت في ديوانه ١ / ١٥٤ ، الخزانة ٣ / ٦٤٧ ؛ والكتاب ٣ / ٧٠.