فلو
دخلت (الفاء) هاهنا لأفسدت المعنى ، وإنما أراد لا يجتمعن النهي والإتيان ، فصار (تأتي)
على إضمار (أن).
ومما
يدلك أيضا على أن (الفاء) ليست كالواو فذلك قولك :
مررت
بزيد وعمرو ، ومررت بزيد فعمرو ، تريد أن يعلم بالفاء أنه بعد الأول ، وليس (الواو)
كذلك.
وتقول
: لا تأكل السمك وتشرب اللبن ، فلو أدخلت (الفاء) هاهنا فسد المعنى ، وإن شئت جزمت
في النهي في غير هذا الموضع. قال جرير :
فلا تشتم
المولى وتبلغ أذانه
|
|
فإنّك إن
تفعل تسفّه وتجهل
|
ومنعك
أن تجزم الأول لأنه إنما أراد أن يقول له : لا تجمع بين اللبن والسمك ، ولا ينهاه
أن يأكل السمك على حدة ، ويشرب اللبن على حدة ؛ فإذا جزم فكأنه نهاه أن يأكل السمك
على كل حال أو يشرب اللبن على كل حال.
ومثل
النصب في هذا الباب قول الحطيئة :
ألم أك جاركم
ويكون بيني
|
|
وبينكم
الموّدة والإخاء
|
كأنه
قال : لم أك هكذا ويكون بيني وبينكم. وقال دريد بن الصّمة :
قتلت بعبد
الله خير لداته
|
|
ذؤابا فلم
أفخر بذاك وأجزعا
|
وتقول
: لا يسعني شيء ويعجز عنك ، فانتصاب الفعل هاهنا من الوجه الذي انتصب به في (الفاء)
، إلا أن (الواو) لا يكون موضعها في الكلام موضع (الفاء).
وتقول
: ائتني وآتيك ، إذا أردت ليكن إتيان منك وأن آتيك ، تعني إتيان منك وإتيان مني ،
وإن أردت الأمر أدخلت (اللام) ، كما فعلت ذلك في (الفاء) حيث قلت ائتني فلأحدثك.
فتقول : ولآتك.
ومن
النصب في هذا الباب قول الله ـ تبارك وتعالى ـ : (وَلَمَّا يَعْلَمِ اللهُ الَّذِينَ جاهَدُوا
مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ) ،
وقد قرأ بعضهم : ((ويعلم الصابرين)).
وقال
الله ـ جل ثناؤه ـ : (وَلا تَلْبِسُوا
الْحَقَّ بِالْباطِلِ وَتَكْتُمُوا الْحَقَّ وَأَنْتُمْ
__________________