وتقول : لا تأكل السمك وتشرب اللبن وتأكل التمر ، لأن (الواو) هي الناصبة ؛ كما تقول : أريد أن تأكل السمك وأن تشرب اللبن وأن تدخل الحمام.
ومما يشاكل ذلك أن (واو) القسم لما كانت هي الخافضة مكان (الباء) ، جاز أن تدخل عليها حروف العطف فتقول :
والله وو الرحمن وو الله ثم والله لأخرجن.
و (الواو) التي تقع موقع (رب) وتغني عنها هي (واو) عطف ، ولا يجوز دخول حرف عطف عليها ، فإذا قلت : وبلد أقمت فيه ، لم تقل : وو بلد أقمت فيه ، وو رجل عاشرته ، ولا ثم ورجل صادقته.
واعلم أن (الفاء) ـ في الأصل ـ في جميع أماكنها عاطفة.
وقد يتناول العامل الشيئين بإعراب واحد ولفظ واحد على وجهين مختلفين كقولك : لو ترك زيد وعمرو لضربه وكذلك لو ترك زيد والثريد لأكله ، ولو ترك أخواك لظلم أحدهما الآخر ؛ فلفظ الترك قد وقع عليهما ، وهما مختلفان ، لأن أحدهما ممنوع منه ، ومعنى الترك لهما مختلف لا يظهر في اللفظ ، وقد عرف معناه.
والعطف ب (الفاء) على وجهين :
أحدهما عطف ظاهر ، والآخر عطف متأول.
فالعطف الظاهر أن تعطف ما بعدها على ما قبلها ، فتدخله في إعرابه ، وظاهر معناه ، ويكون حكمها حكم (ثم) في الإعراب والمعنى ، كقولك : زيد يأتيك فيحدثك وأريد أن تأتيني فتحدثني وإن يأتك زيد فيحدثك تحسن إليه. ويجوز مكان ذلك (ثم) والمعنى واحد كقولنا : زيد يأتيك ثم يحدثك ، وأريد أن تأتيني ثم تحدثني ، وإن يأتك زيد ثم يحدثك تحسن إليه. والمنصوب بعد (الفاء) في هذا الوجه ليس بإضمار (أن) ، بل بالناصب الذي نصب ما قبل (الفاء) وعطف عليه ، كقولك : إذا آتيك فأسرك ، وجئتك لكي أكلمك فأنفعك.
وأما العطف المتأوّل فهو أن يكون ما قبل (الفاء) غير موجب ، ويكون معلقا بما بعد (الفاء) شرطا على وجوه مختلفة أحوجت إلى التغيير وإضمار (أن) ليدل على تلك الوجوه ؛ فمن ذلك : لا تأتيني فتحدثني.
في (تحدثني) النصب من وجهين ، والرفع من وجهين ؛ فأما أحد وجهي النصب فأن يكون الإتيان منفيا نفيا. مطلقا ، والحديث ممتنع من أجل عدم الإتيان ؛ ولو وجد الإتيان لوجد الحديث.