وضربتني ، وضربتك ، ونحو ذلك ، على أنّ الفاعل بكلّيته لا يكون مفعولا بكليته ، فأبطلوا من أجله ضربتني ، وضربتك ، واضربك ، وما أشبهه ، وهذا كلام إذا فتّش وسبر لم يثبت ؛ وذلك لأنّ المفعول الصحيح ما اخترعه فاعله ، وأخرجه من العدم إلى الوجود ، كنحو خلق الله عزوجل الأشياء التي كوّنها ولم تكن كائنة من قبل ، وكنحو ما يفعله الإنسان من القعود والقيام والضرب والشّتم ، ولا يجوز أن يكون الفاعل في ذلك مفعولا ؛ لأنه لا بدّ من أن يكون الفاعل موجودا قبل وجود المفعول ؛ لأنّه لا يفعل إلا ما كان قادرا عليه قبل فعله ، ولا يكون قادرا على الشيء إلا والقادر موجود ، والمقدور عليه معدوم ؛ لأن معنى قادر عليه : قادر على أن يوجده ويكوّنه. هذا حقيقة معناه ، وقولهم : فلان قادر على فلان ، والمقدور عليه موجود ، إنما هو مجاز ، وحقيقته : أنه قادر على تصريفه فيما يريده منه ، فإذا قلنا : ضرب زيد عمرا فالذي فعله زيد إنما هو الضرب ، وكذلك : شتمه وذكره ، وهذا شيء يحيط العلم به ، وبأنّ زيدا لم يفعل عمرا ، وإنما إطلاق النحويين أنه مفعول مجاز ، والمراد أنه فعل به ضربا أو شتما ، أو نحو ذلك مما يحدثه فيه أو يقصده به.
فإذا قال القائل : ضربتني أو شتمتني ، أو قال : ضربتك ، وشتمتك ، فالمفعول الصحيح إنما هو الضرب والشتم ، والمتكلم والمخاطب كزيد في : ضربت زيدا وشتمته ، وليس زيد بمفعول صحيح على ما بيّناه ، ولم تبطل ضربتني وشتمتني لفساد معناه استحالته ، وكيف يستحيل ذلك وأنا إذا قلت : ضربت زيدا قائما أوقعت ضربا بشيء من جسمه بيدي أو بخشبة أو غيرها ، وكذل شتمته إنما هو ذكرى له بشيء من السوء ، وذلك الضرب قد أوقعه بشيء من جسمي على النحو الذي أوقعه بزيد ، وذلك الذّكر السّيئ غير مستحيل أن أذكر نفسي به كما ذكرت زيدا ، ولكنّ العرب لا تتكلم بذلك ؛ لأن فعل الإنسان يكون على ضربين :
أحدهما : فعل يفعله بنفسه لا يعتمد به غيره. فهذا الفعل لا يكون له مفعول ، وإن كان قد فعله الإنسان بنفسه ؛ كقولك : قام زيد ، وقعد ، وذهب ونحوه ، فقد فعل القيام والقعود بنفسه ، ومعنى قولنا فعل بنفسه : أنه أحلّ القيام والقعود بنفسه وأوجده في نفسه دون غيره.
والآخر : فعل يعتمد به غيره ، فلا بدّ أيضا في ذلك أن يفعله بنفسه ، ويعتمد به غيره ، أو يفعل سببه بنفسه ، ويعتمد به غيره.
فأما ما يفعله بنفسه ويعتمد به غيره فقولك : شتمت زيدا ، وذكرت زيدا ، ومدحت عمرا.