ابن (١) أبى إسحق
هو عبد الله بن أبى إسحق مولى آل الحضرمى المتوفى سنة ١١٧ للهجرة وفيه يقول ابن سلام : «كان أول من بعج (فتق) النحو ومدّ القياس وشرح العلل». وبذلك يجعله الواضع الأول لعلم النحو ، إذ يجعله أول من اشتق قواعده وأول من طرد فيها القياس ، بحيث يحمل ما لم يسمع عن العرب على ما سمع عنهم ، ويقول أبو الطيب اللغوى : «فرّع عبد الله بن أبى إسحق النحو وقام وتكلم فى الهمز ، حتى عمل فيه كتاب مما أملاه». ويروى أن يونس بن حبيب سأله عن كلمة «السويق» ، وهو الناعم من دقيق الحنطة ، هل ينطقها أحد من العرب «الصويق» بالصاد؟ فأجابه : نعم قبيلة عمرو بن تميم تقولها ، ثم قال له : وما تريد إلى هذا؟ عليك بباب من النحو يطّرد وينقاس. وهو لم يعن بالقياس على قواعد النحو فحسب ، بل عنى أيضا بالتعليل للقواعد تعليلا يمكّن لها فى ذهن تلاميذه. وجعله تمسكه الشديد بتلك القواعد المعللة والقياس عليها قياسا دقيقا بحيث لا يصح الخروج عليها يخطّئ كل من ينحرف فى تعبيره عنها ، وكان لذلك كثير التعرض للفرزدق لما كان يورد فى أشعاره من بعض الشواذ النحوية ، ويذكر الرواة أنه حين سمعه ينشد قوله فى مديحه لبعض بنى مروان :
وعضّ زمان يابن مروان لم يدع |
|
من المال إلا مسحتا أو مجرّف (٢) |
اعترضه ، لرفعه قافية البيت وكان حقها النصب لأنها معطوفة ـ كما يتبادر ـ على كلمة «مسحتا» المنصوبة ، أو بعبارة أدق لأن القياس النحوى يحتم ذلك ويوجبه. ويظهر أن الفرزدق قصد إلى الاستئناف حتى لا يحدث فى البيت إقواء يخالف به حركة الرّوىّ فى القصيدة. وسمعه مرة يصف رحلته إلى الشام فى
__________________
(١) راجع ترجمة ابن أبى إسحق فى أبى الطيب اللغوى ص ١٢ والزبيدى ص ٢٥ والسيرافى ص ٢٥ وطبقات فحول الشعراء لابن سلام ص ١٤ ونزهة الألباء ص ١٨ وإنباه الرواة ٢ / ١٠٤ وطبقات القراء لابن الجزرى ١ / ٤١٠ وتهذيب التهذيب ٥ / ١٤٨ وخرانة الأدب للبغدادى ١ / ١١٥ وبغية الوعاة ص ٢٨٢.
(٢) مسحت ومجرف : مستأصل.