واضح فى المعنى ، فأجابه بأن «غير» منصوبة بأعبد ، وتأمرونّى غير عامل فيها ، كقولك هو يقول ذاك بلغنى ، فبلغنى لغو ، وكذلك تأمرونى ، وكأنه قال فيما تأمرونى (١). وسأله سيبويه عن قول الأعشى :
إن تركبوا فركوب الخيل عادتنا |
|
أو تنزلون فإنا معشر نزل |
لماذا رفع «أو تنزلون» وهى معطوفة على فعل مجزوم ، فقال كأنه توهم أنه قال فى أول البيت أتركبون فرفع ، بالضبط كما جاء عند زهير من قوله :
بدا لى أنى لست مدرك ما مضى |
|
ولا سابق شيئا إذا كان جائيا |
فقد عطف سابق بالجر على مدرك المنصوبة ، كأنه توهم أن مدرك مجرورة ، لأنه يكثر أن يأتى خبر ليس مجرورا بباء زائدة (٢). وحمل على هذا الباب وقوع الفعل المجزوم فى الآية الكريمة : (لَوْ لا أَخَّرْتَنِي إِلى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ) فإن معنى لو لا أخرتنى فأصّدق ، وإن أخرتنى فأصدّق ، واحد (٣) ، ولذلك عطف الفعل بالجزم وكأنما سبقته أداة جازمة
٤
السماع والتعليل والقياس
اعتمد الخليل فى تأصيله لقواعد النحو وإقامة بنيانه على السماع والتعليل والقياس ، والسماع عنده إنما يعنى نبعين كبيرين نبع النقل عن القرّاء للذكر الحكيم وكان هو نفسه من قرائه وحملته ، ونبع الأخذ عن أفواه العرب الخلّص الذين يوثق بفصاحتهم ، ومن أجل ذلك رحل إلى مواطنهم فى الجزيرة يحدثهم ويشافههم ويأخذ عنهم الشعر واللغة ، ويروى أن الكسائى سأله وقد بهره كثرة ما يحفظ من أين أخذت علمك هذا؟ فأجابه : من بوادى الحجاز ونجد وتهامة (٤).
__________________
(١) الكتاب ١ / ٤٥٢.
(٢) الكتاب ١ / ٤٢٩.
(٣) الكتاب ١ / ٤٥٢.
(٤) إنباه الرواة ٢ / ٢٥٨.