والصرفية المبثوثة فى كتابه ، وهو خلاف بناه كما قلنا آنفا على خصب ملكاته وسعة معرفته بلغات العرب وقراءات الذكر الحكيم وقدرته على النفوذ فى حقائق اللغة التفصيلية إلى كثير من الآراء الطريفة ، حتى ليصبح إمام الخلاف فى النحو والصرف ومسائلهما وحتى ليعدّ فى قوة إلى ظهور لا المدرسة الكوفية وحدها ، بل جميع المدارس التالية.
٢
قطرب (١)
هو محمد بن المستنير ، بصرى المولد والمربى ، وقد أقبل مبكرا على دراسة اللغة والنحو ، ولزم سيبويه ، ويقال إنه هو الذى سماه قطربا إذ كان يبكّر للأخذ عنه ، حتى كان سيبويه كلما خرج من داره سحرا رآه ببابه فقال له يوما مداعبا : «ما أنت إلا قطرب ليل» فثبتت الكلمة عليه ولصقت به ، والقطرب دويّبة تدبّ ولا تفتر. وليس بين أيدينا ما يدل دلالة قاطعة على أنه تتلمذ للأخفش ، غير ما يروى من أنه أخذ عن جماعة من العلماء البصريين ، ونظن ظنّا أنه أخذ عن الأخفش ، لأنه كما قدمنا كان الطريق إلى كتاب سيبويه بعده ، وعنه حمله العلماء ، وطبيعى أن يحمله عنه قطرب فيمن حملوه ، ما دام قد عنى بالنحو والتقدم فيه ، بل لقد اتخذه حرفة وأداة لتكسبه فى تعليم أبناء الطبقة الممتازة ببغداد. وذاعت شهرته فى ذلك فاتخذه الرشيد مؤدبا لابنه الأمين ، وقرّبه منه أبو دلف العجلى أحد قواد الرشيد والمأمون النابهين واتخذه مؤدبا لأولاده ، وظل يعنى بتأديبهم إلى وفاته سنة ٢٠٦ للهجرة. وله فى النحو والصرف كتب مختلفة ، منها كتاب العلل فى النحو وكتاب الاشتقاق فى
__________________
(١) انظر فى ترجمة قطرب أبا الطيب اللغوى ص ٦٧ والسيرافى ص ٤٩ والزبيدى ص ١٠٦ والفهرست ص ٨٤ ونزهة الألباء ص ٩١ ومعجم الأدباء ١٩ / ٥٢ وابن خلكان فى محمد وتهذيب اللغة للأزهرى ١ / ١٤ وتاريخ بغداد ٣ / ٢٩٨ وإنباه الرواة ٣ / ٢١٩ وشذرات الذهب ٢ / ١٥ ومرآة الجنان ٢ / ٣٠٠ ولسان الميزان لابن حجر ٥ / ٣٧٨ وبغية الوعاة ص ١٠٤.