يتحاورون فيها ويتناقشون ، ولا يكاد يترك له مستشاروه من مثل ثمامة بن أشرس المعتزلى عالما إلا ويشخصونه إلى مجالسه ، ويطلب ثمامة الفراء ، ويلقاه ، ويعجب به وبثقافته كما مرّ بنا إعجابا شديدا ، ويقدّمه إلى المأمون ، فيحظى بإعجابه. وربما أعجبهما فيه بالإضافة إلى علمه الغزير باللغة والنحو والقرآن اعتزاله ، إذ كان المأمون يعتنق الاعتزال مثل مستشاره ثمامة. ولم يلبث أن اختاره مؤدبا لابنيه. وبعثه على تأليف كتاب يجمع أصول النحو ، ويقال إنه أفرد له حجرة فى الدار ووكّل به من يقومون بكل حاجاته ، وصيّر له جماعة من الوراقين ليملى عليهم الكتاب. ويقال إنه ظل يمليه ويصنّف فصوله ومواده فى سنتين ، وهو كتاب الحدود ، وفى فهرست ابن النديم تعريف دقيق بما تشمل الحدود فيه من فصول النحو وعتاده.
وفى هذه الأثناء نراه يتصل بطاهر بن الحسين قائد المأمون المشهور الذى قضى له قضاء مبرما على أخيه الأمين. وكان يعنى بابنه عبد الله وبفصاحته ، ويظهر أنه لحظ عليه بعض اللحن والخطأ فى كلامه أو فى بعض كتابته ، فطلب إلى الفرّاء أن يكتب له كتابا يقفه فيه على اللحن المتفشى على ألسنة العوام ، فصنف كتابه البهاء أو البهى فيما تلحن فيه العامة. وصنف لعبد الله كتابا ثانيا هو كتابه «المذكر والمؤنث» وهو مطبوع. وما زال يتابع هذا الجهد العلمى المثمر حتى لبّى نداء ربه فى طريقه إلى مكة سنة ٢٠٧ للهجرة.
٢
وضعه النهائى للنحو الكوفى ومصطلحاته
رأينا الكسائى يرسم منهج النحو الكوفى على أسس ثلاثة هى الاتساع فى الرواية بحيث تفتح الأبواب على مصاريعها لرواية الأشعار والأقوال والقراءات الشاذة ، والاتساع فى القياس بحيث يعتدّ فى قواعد النحو بالشاذ والقليل النادر ، والاتساع فى مخالفة البصريين اتساعا قد يؤول إلى مدّ القواعد وبسطها بآراء لا تسندها الشواهد اللغوية ، بل قد يؤول أحيانا إلى رفض المسموع